الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تخيلوا معي صاحب شقة مفروشة يتصل به موظف الاستقبال ليخبره أن عميلا سرق كل ما في الشقة ووضعها في سيارته وأراد الهرب بها لكنهم رأوه قبل الخروج من المواقف وأغلقوها، وقد حاول كسر باب المواقف بصدمه بالسيارة ليخرج بالمسروقات ، وعند قدوم الشرطة ادعى أنه أحضر كل تلك الأشياء معه ويجب أن يأخذها .
القصة السابقة حقيقية لكنها ليست القاعدة لمستأجري الشقق المفروشة ، أما القاعدة العامة لمستأجري الشقق المفروشة وبعض مستأجري الفنادق أنهم لا يكترثون لما يحدث في الشقة من ضرر وتلف نتيجة استخدامهم ، بل إن بعضهم يتعمد إتلاف الشقة أو الإستراحة التي استأجرها بحجج واهية . وما يفعله مستأجر السيارة من إتلاف ما لا يستطيع المستثمر رؤيته أصبح من الظواهر المؤذية جدا للمستثمرين في تأجير السيارات .
يظن ذلك المستهلك أنه بفعله ينتقم من المستثمر (الظالم حسب ظنه) فقط ، ولا يعلم أن المستثمر قد يكون أقل المتضررين من ذلك الفعل غير الأخلاقي ، بل هو أقل المتضررين فعلا ، لأنه وبكل بساطة سوف يرحل خسائره على المستهلكين .
ذلك السلوك غير الأخلاقي من بعض المستهلكين يؤدي إلى نتائج سلبيه يتأثر بها كل المستهلكين بما فيهم المستهلك غير الأخلاقي ويتأثر بها الاقتصاد بالكامل . فأول الأضرار فقدان الثقة في المستهلكين والشك فيهم ، لذلك يضع أصحاب الوحدات السكنية قوانين تأجير قاسية وأسلوب تعامل متعنت في كل شيء ، وينسحب تلك القوانين على كل الاستثمارات التي تعمد على التأجير للمستهلك. وترتفع الأسعار لتعويض خسائر التلفيات والتجديد والنظافة المكلفة والسرقات ، خصوصا في الوحدات السكنية الجيدة التي يحرص أصحابها أن تكون في أفضل حال دائما .
ومن أسوأ النتائج تدني الخدمات المقدمة بسبب عدم قدرة بعض المستثمرين متابعة إصلاح وتجديد وتعويض تلفيات المستأجرين ، وهذا يعني أن كل مستأجر يدفع أكثر مما يحصل عليه من الخدمة . والنتيجة السابقة تدفع ضعاف النفوس من المستهلكين إلى مزيد الإعتداء والإتلاف إنتقاما من عدم حصولهم على الخدمة الجيدة ، ما يعني مزيدا من تردي الخدمة واستمرار المشاكل ونموها .
أما تأثر الاقتصاد سلبا بالسلوكيات غير الأخلاقية فمنها المباشر مثل إتلاف المرافق العامة والخاصة وعدم الإهتمام بالنظافة والجمال مما يكلف الاقتصاد مليارات الريالات بتلف تلك المرافق أولا وبتجديدها وصيانتها ونظافتها ثانيا . ومنها غير المباشر بحرمان الاقتصاد من مليارات الريالات التي يمكن أن تستثمر في مجالات أخرى أو تطويرها فيتم تحويل تلك المبالغ إلى صيانة وترميم ما أتلفته أخلاق (النهيبة) والإستهلاك غير الأخلاقي ، أو إحجام بعض رؤوس الأموال عن الإستثمار في بعض المجالات المهمة للناس لأنها غير مجدية أو مرهقة ومكلفة في إدارتها.
كنت في دولة أوروبية أسكن في شقة فاخرة داخل أحد الأحياء وإدارة تلك الشقق في فندق بعيد عنها قليلا ، مع ذلك لم تكن تلك الشقق تشكُو من أي نقص . ليس ذلك المهم ، المهم أننا حين أردنا الخروج اتصلنا على الإدارة نسألهم كيف نسلم المفاتيح ؟ قالوا لنا دعوها داخل الشقة هكذا بكل بساطة ، لم يسألونا عن شيء ولم يخافوا على موجودات الشقة وسلامتها لأنهم تعودوا على مستهلكين أخلاقيين . ذلك ما تصنعه الأخلاق السليمة في الأمم المتحضرة وذلك ما كنا عليه في السابق ، عندما كان صاحب المحل يذهب للصلاة ويترك محله مفتوحا أو مردود بقطعة قماش فقط .
نحن أمام أزمة أخلاقية اقتصادية تضر بالمستهلك والمستثمر والاقتصاد ككل ، ولابد من برامج علاجية لتلك السلوكيات السلبية تشمل الأسرة والتعليم والأنظمة الرادعة وأخيرا الحملات التوعوية بخطرها وضررها .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال