الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
هل هناك أزمة أخلاق؟ وإذا كانت هذه الأزمة موجودة فكيف بدأت ولماذا؟ بالطبع أنا لا أستطيع أن أجزم بإجابة لأي من هذه التساؤلات المشروعة، لكنني أستطيع أن أؤكد أن هناك شعوراً عميقاً بوجود خلل أخلاقي مسكوت عنه يكبر كل يوم. أحد مظاهر هذا الخلل هو قناعة كثير من الشباب أنه لا يوجد أحد ينصف مواهبهم وقدراتهم، أحدهم قال لي: كيف بربكم تتوقعون أن ننهض ونحن لا نشعر بالاطمئنان على المستقبل؟ ونحن نرى أن هناك جيلاً تقليدياً مهيمناً على مفاصل كل شيء ولا يريد لأحد غيره أن يرى النور؟ قال في مرارة واضحة: المسألة هنا أخلاقية بحتة، لأن هناك تواطؤاً بين المصالح الخاصة وبين العقلية القبلية للهيمنة على كل الفرص المتاحة وإعطائها لأصحاب العلاقات والنفوذ، أما الموهوبون فلهم الله. قلت ونعم بالله، ولكن ما الذي يجعلك تشعر بهذا الشعور؟ وماذا رأيت وواجهت حتى تقول هذا القول؟ أجاب: الأمر لا يحتاج إلى إثبات، إنه أمر نعيشه كل يوم، الفرص صارت تنحصر في قلة من أبناء مجتمعنا ليس بالضرورة لديهم المهارة المطلوبة وقد تنقصهم الموهبة لكنهم في الحقيقة لديهم ما هو أهم: “الواسطة”.
بيئتنا الإدارية والتعليمية والإبداعية هشة وهزيلة ليس لأنه لا يوجد بيننا موهوبون ومتميزون بل لأن هؤلاء الموهوبين يختفون تدريجياً نتيجة لليأس الذي يصيبهم وهم يرون الفرص تذهب لنظرائهم الأقل موهبة والأكثر قدرة للوصول لمن يوصلهم للفرص. هذا الوضع أفرز مع الوقت هشاشة واضحة في كافة المجالات حتى الحيوية والحساسة منها بيئتنا الإدارية والتعليمية والإبداعية هشة وهزيلة ليس لأنه لا يوجد بيننا موهوبون ومتميزون بل لأن هؤلاء الموهوبين يختفون تدريجياً نتيجة لليأس الذي يصيبهم وهم يرون الفرص تذهب لنظرائهم الأقل موهبة والأكثر قدرة للوصول لمن يوصلهم للفرص. هذا الوضع أفرز مع الوقت هشاشة واضحة في كافة المجالات حتى الحيوية والحساسة منها. المصيبة أن هذا السوس ينخر الآن المؤسسة التعليمية التي استجابت في وقت مبكر “للواسطة” وخضعت لضغوط الطلاب وأولياء أمورهم المتنفذين وصارت تنتج نوعيات رديئة بمعدلات دراسية عالية مكنتهم من احتلال مقاعد الأساتذة في هذه المؤسسات. الرداءة تنتج الرديء وتجعل من إنتاج الرديء عملاً مؤسسياً يتكرر في كثير من المؤسسات.
لا يمكن أن يكون ما يحدث بعيداً عن تردٍ أخلاقي بدأ منذ وقت مبكر، لأنه ليس من المعقول أننا صحونا بين ليلة وضحاها ووجدنا أنفسنا في هذا الوضع المحزن. ليس من المعقول أن المثقف السعودي بات يشتكي من أن بعض المؤسسات صارت تكرّم الهزيل والرديء الذي يعكس ثقافة هزيلة وتهمل الموهوب والمتميز ويكون هذا الإهمال خطأ غير مقصود، بل هو عمل مؤسسي نتج عن تردٍ أخلاقي تدريجي أوصلنا إلى عدم الاكتراث بأحد وخلع برقع الحياء وممارسة الانحياز والتهميش دون الخوف من أحد. ما أحزنني فعلاً هو أن كثيراً من الشباب صاروا يلجأون لوسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة وحيدة للتصحيح الأخلاقي في ظل هذا الغياب المخيف لمؤسسات الرقابة وأعذارها المضحكة.
ليس من صالحنا أبداً أن يشعر شبابنا باليأس، فهذا يفقدهم الثقة والشعور بالانتماء، حين يتم تهميشهم ويفضل من هو أقل منهم موهبة وقدرة لمجرد أنه يملك العلاقات التي توصله لما يريد. هذا الشعور الخطير الذي بدأ يتنامي بشكل واضح في السنوات الأخيرة سمعته كثيراً من زملائي في عدد من الجامعات، يقولون صار الطلاب والطالبات يعبرون بشكل جريء غير معهود عن خوفهم من المستقبل وعن شعورهم بأنهم لا يملكون فرصة عادلة تنصفهم في ظل هذا التردي الأخلاقي من قبل جيل تمكن من مفاصل الفرص في جميع القطاعات ولا يريد أن يمنحها إلا لأبنائه وأقربائه. إنه شعور محبط ولا يبدو أن هناك بصيص أمل للتغيير.
أنا شخصياً أرى أن تنامي ثقافة الندرة هو الذي أوجد هذا التردي مع غياب للرقابة والمحاسبة، وفي اعتقادي أن هذه الثقافة تحتاج علاجاً جذرياً يكون مبنياً على الشفافية الكاملة لا الشفافية الظاهرية، وأقصد هنا أن هناك دائماً تناقضاً حاداً بين الإعلان عن الفرص أي كانت وبين التمكين من الفرص، فالإعلان لا يعني أن هذه الفرص ستذهب لمستحقيها بل غالباً ما يكون هناك ترتيب مستتر مسبق يوزع هذه الفرص للمقربين. معالجة هذه الظاهرة أصبحت مطلباً ملحاً وأتمنى أن منتديات الشباب التي تعقد هذه الأيام كجزء من رؤية 2030 أن تكون شفافة وعملية وتطرح القضايا الحقيقية التي تواجه مستقبل أبنائنا.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال