الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كتب لي أحدهم: “بعد قرار قطع العلاقات مع قطر أما زالت سعوديتك تعزف اوركسترا”؟! في إشارةٍ مشاغِبة لما تضمنه مقالي الأخير (عزف الساسة على مسرح السياسة). وقبل أن أجيب لهذا المشاغب الظريف، أقول لكل سعودي وخليجي وعربي ومسلم:
ثقوا بالمملكة العربية السعودية دولةً وتاريخاً وقيادةً وقراراً، فليست هي من تفرق الجموع، أو تشق الصفوف، أو تتطلع لقطع أواصر المحبة بين الأشقاء كما يروج له البعض، ولكنها أيضاً ليست نائمة طوال سنين الفوضى التي عصفت بالمنطقة كما (كان) يروج له ذلك البعض، بل كانت تتعامل مع الأحداث بطول نفس وبعد نظر وترتيب للأولويات، وها قد حان الوقت لمعالجة واحد من أهم الملفات المؤثرة على استقرار المسلمين وأمنهم ووحدتهم بعد أن أعطت الآخرين الفرصة الكافية لمراجعة النفس ولملمة الشتات والانسجام مع سياسة الرشد والتعقل والاستماع لصوت الاتزان والحكمة.
مهما أوذيت مملكتنا فستظل شجرة وارفة الظلال باسقة الأغصان نضيدة الثمار لكل من تراجع عن مراهقاته السياسية كما فعلت وتفعل مع كثيرين، وهي ذاتها السم الزعاف الذي لا يستسيغه شاربه ولا يهنأ به طاعمه لكل طامع!
لم تكن مملكتنا قط دولة عشوائية في سياساتها كما قد يلمح له بعض السطحيين الذين يعتقدون أو يتظاهرون بالاعتقاد بأن صنّاع القرار في المملكة ساقتهم عناوين صحفية أو وشايات من هنا وهناك لقطع العلاقات. وكم هو مؤلم أن يتناسى بعض السعوديين أن هندسة القرار وقوة اتخاذه والجرأة على تنفيذه أسلوبٌ سياسي امتازت به المملكة العربية السعودية منذ نشأتها -يعرف السياسيون العرب ذلك جيداً- ولم ترخِ سعوديتنا أذنها قط لمن يقرر لها أو يملي عليها أو يرسم طريق سياستها، بل كان ولا يزال زمام المنطقة بيد مبادراتها، ولفيف العرب والمسلمين حول مركزية قراراتها، وهو قَدَرها الذي تعيه جيداً ومكانتها التي تحتم عليها ذلك الدور القيادي ويحتم على الآخرين احترامه والتعاطي معه بواقعية وعقلانية دون المكابرة الحالمة بسحب بساطه من تحتها.
وللسعوديين خاصة أقول: ثقوا بوطنكم وتفهموا بأن الأمر جلل والسيل بالغٌ زبى الآساد وقادتكم مصممون على ترتيب الأوراق حتى آخر ورقة ومضطلعون بدورهم الإقليمي ومستحضرون لمسؤوليتهم التاريخية إزاء قيادة الأمة بوعي واتزان ودحر قوى الشر وإنهاء بعثرات الفوضى الخلاقة التي شتت شعوباً وفرّقت أسراً وشردت عن الأوطان أناسيّ كثيراً..
اليوم سعوديتكم هي من قررت إعادة الميزان إلى نصابه، ولم يكن بدٌّ من كشف الأقنعة التي خططت وعملت في الظلام وأغراها الصمت السعودي.
تأملوا زعانف التشكيك والفتنة التي كانت تتحرك بنَزَق سابحة في مواقع التواصل الاجتماعي منذ 2011م، بل تأملوا كم امتلأ الفضاء بالأبواق المستأجرة والأفواه المأجورة قبل ذلك التاريخ بسنوات وسنوات، وتأملوا زخم الأكاذيب والشحن المركّز الموجه لشباب هذه البلاد، وحجم الاستقطاب والاصطفاف والخيانة والتخوين والتراشق والفوضى العارمة التي رافقت الربيع العربي ومن دعمه ودفعه ودفع به ودفع له ودافع عنه، لم تكن مملكتنا غافلة عن ذلك طوال تلك السنين، إنما هو حلم العظماء وحنو الشقيقة الكبرى المرة بعد المرة والكرّة إثر الكرّة، وقد لا تكون (قطر الحكومة) آخر من يذوق لعقة الحزم السعودي إذا تطلب الأمر.
من أجلنا ومن أجل الأجيال القادمة ومن أجل الأمة ولأجل الحق والحقيقة سيذكر التاريخ أن سعوديتكم كانت هي الصخرة التي تكسرت على صلداتها مخططات العابثين والتي لم تكن (قطر الجغرافيا والشعب) سوى ضحية لمراهقة عابثة أرادت أو أريد لها أن تكون أداة من أدواتها وقناعاً من أقنعتها.
وطنكم يعرف ذلك جيداً ويعرف أن أمامه الكثير من الملفات قد حان الوقت لإغلاقها، مع ما للمجتمع القطري من محبة ووشيج علاقة ورحم مع السعودية والسعوديين وهو ما تتعاطى معه المملكة بعدل وموضوعية وإنصاف وتكرسه مع كافة الشعوب من منطلق الإنسانية والإنسان، وهو ما يجب أن يعتدل الإعلاميون والمغردون في التعاطي إزاءه إذ أن مشكلة المملكة لم تكن مع المجتمع القطري والإنسان القطري الذي ربما غابت عنه الكثير من التفاصيل وخبايا الأمور عن الدور المريب الذي تلعبه حكومته.
أخيراً عزيزي المشاغب: “نعم سعوديتي لا تزال تعزف الاوركسترا orchestra” .. نعم سعوديتي “تتحرك بصمت صحاري الدهناء وتحرك المشهد بقوة أعاصير أريزونا”!
سلماً لمن سالمها سمّاً لمن ساومها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال