3666 144 055
[email protected]
لست اقتصاديا، ولا أفهم في هذا التخصص شيئا، لكني إنسان أعيش على هذا الكوكب، لي احتياجاتي أبحث عنها، وأسعى لأقتنيها، وأجتهد كغيري للحصول على الجيد، وما يناسبني في الأسعار، ومنذ خرجت للحياة، وأنا ألاحظ أن توافر السلع، وقلتها له دور في أسعارها، فمثلا التمر في بداية موسمه تكون أسعاره عالية لكن بعد نزول كميات كبيرة منه تهبط الأسعار، وترخص، ولعل الحراج على كرتوني تمر في الأحساء الذي تم خلال رمضان، وعرض على وسائل التواصل الاجتماعي، وبلغ قيمة خيالية يثبت دور توافر السلعة من عدمه في السعر، أو ما يسميه الاقتصاديون قانون العرض، والطلب.
ما دعاني لتناول الموضوع تساؤلات قديمة بشأن الدورة الاقتصادية، وتأثيرها في الأسعار ارتفاعا، وانخفاضا، أنا لا أنكر وجودها إلا أني كشخص غير متخصص يوجد لدي غموض بشأنها، ولعل المتخصصين يكشفون الغموض بشأنها.
كتبت تغريدة في حسابي على “تويتر” بشأن أسعار النفط ذكرت فيها أن “أوبك” تنتج 36 مليون برميل يوميا من 90 مليون برميل، الإنتاج العالمي، وتساءلت لماذا الأسعار منخفضة، وقد انخفضت حتى لامست 25 دولارا. هذه التغريدة رد عليها أحد المغردين -ولا أعلم إن كان اقتصاديا، أم لا- بقوله إن السبب في انخفاض الأسعار الدورة الاقتصادية، وأردف قائلا إن الدورة الاقتصادية أقوى من قانون العرض والطلب, فكان ردي إذا كانت أقوى من قانون العرض والطلب لماذا استجابت له وارتفعت الأسعار من 25 دولارا إلى ما يقارب 50 دولارا عندما قررت “أوبك” والمنتجون خارجها تخفيض الإنتاج؟ هذا الحوار التويتري وقبله الغموض لدي، وربما عند غيري بشأن الدورة الاقتصادية دفعني لطرح الموضوع من خلال جريدتنا “الاقتصادية”، حيث يكتب فيها اقتصاديون ويقرأها مختصون، ومهتمون بالشأن الاقتصادي، فربما نجد من يجيب عن التساؤلات التي سيتم طرحها. لا أنكر وجود دورات في الحياة، كالدورة المناخية، والدورة الدموية عند الإنسان، والدورة الشهرية، وحركة الكواكب والنجوم في هذا الكون، لكن هذه الأشياء تتم وفق قوانين، وأنظمة، أثبتها العلم، والأبحاث، وثبتت بالخبرة، والمشاهدة، والمعايشة، فالدورة الشهرية عند المرأة تتم وفق نظام وتغيرات فسيولوجية، وكذلك الأجرام، والكواكب تسير وفق نظام إلهي دقيق، يحفظ التوازن في هذا الكون (والشمس تجري لمستقر لها)، (إنا كل شيء خلقناه بقدر).
دراسة الظواهر، بهدف فهمها، تقتضي افتراض أن الظاهرة يمكن أن تسهم في تشكيلها مجموعة من العوامل، أو المتغيرات بلغة البحث العلمي، ومن الممكن التعرف على بعض العوامل، أو معظمها، كما قد يستعصي التعرف على متغيرات لها دور في تشكيل الظاهرة المدروسة، فعلى سبيل المثال الحكم على صحة فرد لا يمكن من خلال سلامة بصره، أو أطرافه، أو وزنه فقط، بل هناك كثير من العوامل، ذات العلاقة بالصحة العامة كالكبد، والقلب، والكلى وغيرها.
في تصريح لوزير النفط الكويتي قال فيه إن اتفاق دول “أوبك” وغيرها على تخفيض الإنتاج حال دون هبوط الأسعار دون 25 دولارا، وهذا مربط الفرس بالنسبة لي، وهو أن قانون العرض والطلب، هو المتحكم في الأسعار، خاصة في سلعة عالمية تعتمد عليها كل المجتمعات، في تشغيل المصانع، والسيارات، والتدفئة، والإنارة، وغيرها، كما أن الخبرة أثبتت ذلك ففي حرب 73 ارتفعت الأسعار، عندما قرر الملك فيصل قطع النفط، وكذلك عندما غزا صدام حسين الكويت حدث الأمر ذاته، حيث قفزت الأسعار، بصورة جنونية، كما أن حركة أسعار النفط ترتبط بالمخزون الأمريكي، ودوره في الارتفاع، أو الانخفاض، ما يعني أن الوفرة تخفض الأسعار، وقلة المخزون ترفعها. إزاء هذه الحقائق أطرح مجموعة تساؤلات: هل الدورة الاقتصادية حقيقة، أم فكرة هلامية نبرر بها عدم قدرتنا على فهم حقيقة الأمور، وعجزنا عن اتخاذ القرارات المناسبة؟، وإذا كانت الدورة الاقتصادية حقيقة، فما ماهيتها، أي ما العوامل التي تسهم في تشكلها، وحدوثها؟ ومتى تحدث؟ بمعنى آخر، هل تحدث كل عقد أم ربع قرن؟ وهل يمكن التحكم بها، وتوجيهها، بما يخدم البشرية، أم بما يخدم بلدا، أو فئة؟ كما أن من التساؤلات: هل بمقدور البشر إيجادها، أم تحدث مصادفة؟ وهل توجد قوى خاصة تحدث معها الدورة الاقتصادية، وتؤثر فيها؟ وهل للدورة الاقتصادية مقدمات وعلامات يمكن التنبؤ من خلالها بحدوثها؟ وهل يمكن التحكم بها؟ وهل لها مدة زمنية، أي هل تستمر أشهرا، أم سنوات؟ وكم تقريبا؟ وهل الدورة الاقتصادية مرتبطة بسلعة، أو مجموعة سلع؟ وما هي؟ الصعود، والهبوط في المستويات المعيشية بين الناس، حقيقة، لا ينكرها أحد (وتلك الأيام نداولها بين الناس)، فكم من مجتمع كان ثريا، ثم ما لبث أن تحول إلى مجتمع فقير، وهذا معروف عبر الأزمنة، إلا أن مفهوم الدورة الاقتصادية الشاملة لكل العالم أمر غامض إلى حد كبير في ذهني.
نقلا عن الاقتصادية
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734