الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
قطاع المحاماة في غالبية المجتمعات يُعد صناعةً مستقلة وأحد مكونات الاقتصاد فيها، إضافةً إلى مساهمته في جوانب أخرى تؤثر على الاقتصاد مثل السياسة والثقافة وغيرها. كما يُعد أحد روافد الدخل القومي للدول ويساهم في اقتصاد المجتمع بتقديم الخدمات القانونية الاحترافية التي تلبي احتياج وطلب العملاء -شركات كانوا أم أفرادًا سواءً كانوا محليين أو أجانب- لهذه الخدمات.
ولِمَا كان لهذا القطاع من أهمية في غالبية المجتمعات، فإننا نلاحظ أنهم يولونه اهتمامًا جادًا يُرى جليًا في الحرص على وجود مراكز ومؤسسات مستقلة تُصْدِر تقاريرًا عن أداء المهنة.
وتقوم تلك المراكز بهذه المهمة عبر القيام بدراسات وأبحاث وإحصائيات لتقييم مدى جودة الخدمة القانونية أو مستوى المحامين والمكاتب أو مدى رضا العملاء ونسبتهم إلى مقدمي الخدمات، وتخضع لمناهج ومعايير محددة لقياس حال مهنة المحاماة.
وهذه المعلومات والنتائج تستخدم فيما بعد لتحقيق الارتقاء بمستوى المهنة وتحسين أداءها وتفادي ما قد يحصل لها من عقبات والحد من المشاكل أو العوائق التي تواجهها. ويتحقق بذلك أيضاً الشفافية وإتاحة المعلومات للجميع.
بريطانيا مثلًا يوجد بها الكثير من المراكز منها ماهو تابع لأقسام القانون بالجامعات أو النقابات المهنية وغيرها، على سبيل المثال مركز أدنبرة للدراسات القانونية المهنية والذي يُعد من أهم المراكز في المملكة المتحدة وفي العالم، وهو يُصدر تقارير دورية منتظمة وإحصائيات دقيقة. وتوجد في الولايات المتحدة كذلك مراكز شبيهة لقياس وتقييم أداء المهنة بهدف الارتقاء بها، وغيرها من المراكز المتوفرة في العديد من دول العالم.
الجدير بالذكر أن وزارة العدل لدينا تُصْدِر كتاباً إحصائياً بشكل دوري كل عام تقريبًا، كما يتبع للوزارة كذلك مركز للبحوث من (24) عضوًا، هذا بالإضافة إلى تقارير شهرية تصدرها الوزارة. مالا يعرفه الكثيرون هو أن الكتاب والمركز والتقارير، كل هذا لا يتطرق لمهنة المحاماة على الإطلاق -رغم أن كل هذه الأعمال مصدرها وزارة العدل التي تعتبر المظلة التي يندرج تحتها كل ماهو متعلق بالقانون- بل هي محصورة في أداء المحاكم باستعراض القضايا في كل مدن المملكة والطلبات الواردة للمحاكم بمختلف درجاتها، وإصدار الأحكام القضائية.
وبرغم مضي عام ونصف العام تقريبًا على تأسيس هيئة المحامين، فإنه لم يتم حتى الآن التطرق لا من بعيد ولا من قريب عن نيتها إنشاء مركز أو إصدار دراسات لهدف تحسين أداء المهنة. كما لا يوجد ما يشير إلى أنها تولي هذا الأمر أي أهمية. البعض يبرر هذا القصور بأنها هيئة وليدة ولم تُفطم بعد، ويتوجب علينا الصبر حتى نشهد منها إنجازات بهذا الخصوص يكون لها أثر فعّال على المهنة، وما يُستغرب أيضًا بأنه قد غاب من يستشهد بالنماذج المُنْجِزَة كهيئة المحاسبين القانونيين التي أَعَدّت بعد تأسيسها بثلاث سنوات في تسعينيات القرن الماضي برنامجاً يُسمى برنامج مراقبة جودة الأداء. وكان من أبرز مهامه إصدار بيانات وتقارير لمكاتب المحاسبة وفحصها ومراقبتها وتقييمها مما يساهم في رفع مستوى مهنتهم، وإعطاء المستلك نظرة على حال سوق المهنة.
في المقابل فإن قطاع المحاماة لدينا غير محدد المعالم وليس هنالك أرقام دورية تشير إلى نمو أو تراجع مساهمة هذا القطاع في الاقتصاد. ونتيجة لذلك نجد أن سوق الخدمات القانونية في مجتمعنا أشبه ما يكون بقطاع مهمش يلفه الغموض حتى بين العاملين به أنفسهم. ونتيجة لذلك نجد محامين لا يعرفون حتى الفرق بين المرفق العدلي، والوسط القانوني، وقطاع المحاماة، وسوق الخدمات القانونية وغيرها من المعاني التي من المفترض أن يحيط بها المحامي.
كما نلاحظ تجاهلًا لعلاقة المحاماة بالاقتصاد أو الجهل بها. ولذلك فإنه من الطبيعي أن نسمع باستمرار من بعض المحامين والمحاميات أن السبب الأساسي لاختيارهم هذه المهنة هو أنها مهنة نبيلة تخدم المجتمع، متغافلين أن هذه الميزة تزعمها كل المهن، ومتغافلين كذلك عن أن هذا لم يقِ من وجود مهنيين يفقترون إلى النبل. لكن بعضهم يشعروننا في كل مرة بضرورة تبرير ممارستهم لها ليكون ذلك مقبولًا لدى الناس والمجتمع. بينما هي في الواقع مهنة كأي مهنة تُعد مصدر دخل وليست أعمال تطوعية أو جمعية خيرية. هذا الأمر يدعونا لإدراك أن مهنتنا تحتاج للكثير من الوقت والمجهود للارتقاء بها، وأن منتسبيها يحتاجون لاكتساب الوعي القانوني والثقافة القانونية قبل تقديم ذلك للمجتمع.
أما بالنسبة لهيئة المحامين: هل تحتاج هي كذلك للوعي حتى تقوم بمهام وإنجازات من شأنها تطوير المهنة؟ أم أن الأمر يحتاج منًا فقط للقليل من الصبر، حتى نحظى بالغنائم بعد طول الغيبات؟.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال