الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
رغم أن عُمر مهنة المحاماة لدينا يمتد لأكثر من ستين عامًا منذ مارسها أول محام سعودي وهو أحمد زكي يماني في سنة 1956م؛ إلا أنه لم يمضِ على اكتسابها الصفة النظامية إلا ما يقارب عقدين من الزمن.
شهدت المهنة منذ ذلك الحين مراحل عديدة و تباينت سرعة التطورات فيها من مرحلة لأخرى. كما مرت بالعديد من المنعطفات في فترات زمنية محددة. ورغم ذلك يمكن اعتبار أن وضع المهنة متأخر عن المجتمعات المقاربة لمجتمعنا. غير أن المرحلة الحالية شهدت تطورات لم يسبق لها مثيل من حيث نتائجها وسرعة تنفيذها. من بين هذه التطورات ازدياد أعداد خريجي القانون والشريعة بشكل سريع لم نره من قبل.
ونلاحظ أن اهتمام الغالبية منهم هو للاتجاه نحو مهنة المحاماة دون سواها من الوظائف المتاحة لحاملي هذه الشهادات، رغم وجود مهن أخرى يمكن لهم ممارستها مثل كاتب العدل، أو التدريس في الجامعات، أو العمل في شؤون أو إدارات قانونية في القطاعين العام والخاص، أو التحقيق وغيرها من الفرص الوظيفية.
ويمكن أن نُقَسّم توجهاتهم بعد وصولهم لمرحلة معينة من التحاقهم بالمهنة إلى أحد الطريقين: إنشاء مكتب فردي يستقل به المحامي، أو أن يكون محاميًا ينتسب لشركة محاماة بصفته مساهمًا فيها.
ولأسباب لا يمكن حصرها، نجد أنه من الصعب العثور على نتائج أو أرقام حول استمرارية أو مدى نجاح كلا هاتين الفئتين من المحامين. ولا نستطيع القول بأن الانتساب للشركات طريقًا غير شائعة لدينا، لكن من الممكن أن نقول بأنها الأقل جذباً من فكرة المكاتب الفردية. وهذه المكاتب الفردية ليست الأكثر جذبًا بين المحامين المخضرمين فقط بل حتى في أوساط أولئك الذين استلموا للتو ترخيص مزاولة المهنة.
ولا نعرف فيما إذا كان ذلك يرجع للرغبة في الاستقلالية واتباع نمط الإدارة المركزية والفردية؟ أم أن هذا هو للبحث عن الصيت من خلال التفرد في العمل رغم أن الكثير من أرباب المكاتب الفردية تنحصر معظم مهامهم في التوقيع أسفل المذكرة التي قام بكتابتها شخص آخر.
والجدير بالذكر أيضًا هو أننا لا نعرف ماهو مستقبل مكاتب المحاماة الفردية بعد موت صاحبها أو تركه النشاط لأي سببٍ كان؟ حتى لو كان لديه ورثة، خصوصًا أن هنالك دراسة أثبتت أن الشركات العائلية غالبًا لا تستمر لأكثر من ثلاثة أجيال. هذا في حال اعتمد صاحب المكتب على نظام التوارث، أما في حال لم يكن لصاحب المكتب ورثة يمارسون أعمال المكتب من بعده، فغالبًا سيندثر اسمه وسيذهب مصير مكتبه أدراج الرياح.
ولو قارنّا وضعنا مع بعض بلدان الغرب سنجد أن أكثر القانونيين يتجهون إلى ممارسة نشاطهم من خلال شركات يمتد عمر معظمها لعشرات السنين وبعضها لأكثر من قرنٍ من الزمان، لا يزال نشاطها مستمراً، رغم موت كل المؤسسين منذ زمن بعيد، ولا يزال اسم هذه الشركات ونشاطها مستمر حتى هذه اللحظة. كما أن بعض هذه الشركات تتبع سياسة ترتكز فكرتها على انضمام الموظف لها كشريك بعد عدد محدد من السنوات وإنجاز قدر محدد من الأعمال.
وما يمكن قوله من خلال إلقاء نظرة سريعة -بدون الاطلاع والاعتماد على أرقام أو إحصائيات لأنها غير موجودة- هو أن اتجاه الكثير من الممارسين لهذه المهنة لدينا هو نحو تأسيس المكاتب الفردية التي تتبع سياسة الرجل الواحد، أكثر من الشركات التي يشترك محاميين أو أكثر في تأسيسها أو إدارتها أو ممارسة أعمال المحاماة فيها.
ولكن سواءً اتبع المحامون لدينا نمط المركزية بتأسيس وإدارة مكاتب فردية، أو اللامركزية في الانضمام لشركات المحاماة، هل بإمكاننا تصور حال المهنة -خصوصًا مع ازدياد عدد الخريجين يومًا بعد آخر- في حال اتجه الأغلبية منهم إلى فتح مكاتب فردية؟
وهل الأفكار المتفردة والمبدعة التي تزيد من عمر نشاط المنتسبين إلى المهنة وتُحَسّن من إنتاجهم وبالتالي ينعكس ذلك إيجابًا على أداء المهنة؛ هي حصر على تلك المجتمعات دوننا؟ أم سنشهد بعد “استبشارنا” بتأسيس هيئة للمحامين منها خطوات من شأنها التعجيل باللحاق بهم ومواكبتهم في التطور والإبداع؟
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال