الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يعد تركز القوى العاملة ومخرجات الجامعات الباحثة عن العمل في تخصصات وأعمال محددة من أهم أسباب البطالة إذ إنه وبحكم التغيرات السوقية والمستجدات التقنية ينخفض الطلب على عدد من الأنشطة والقطاعات السائدة وتحل محلها أنشطة اقتصادية جديدة تتطلب تأهيلاً جديداً للأيدي العاملة لدخول سوقها بشكل مختلف عن خبرات وتخصصات القوى العاملة المتركزة في الأنشطة والأسواق التي كانت تغطي شريحة عريضة من العاملين والباحثين عن العمل.
ففي حين يفرض السوق متغيرات سريعة وحاجة ملحة لتوفير عمالة مدربة وعندما لا يوجد بديل محلي يغطي الاحتياج الكمي والكيفي للسوق يزداد الطلب على العمالة الأجنبية وهنا تكمن المشكلة إذ إن قطاع الأعمال لا ينتظر أن تعيد الكوادر المحلية -من عاملين أو باحثين عن العمل- تخصصاتها ومجالات عملها بما يتوافق مع متطلبات السوق التقنية والاقتصادية فيلجأ التاجر –وبسبب الرغبة في الربح السريع وعدم انتظار نتائج تدريب الكادر المحلي- إلى الوافد الذي عادةً ما يكون أقل تعليماً وأكثر مرونة لاكتساب مهارات جديدة.
وبالمقابل تتباطأ الجامعات عن مواكبة التخصصات الجديدة بسبب المعايير الأكاديمية التي لا تستجيب بطبيعة الحال لافتتاح تخصصات وأقسام مهنية حديثة بذات السرعة والمرونة التي تفرضها الأسواق فتجد الطالب على سبيل المثال يختار تخصصاً جامعياً يحظى بطلب عالٍ في السوق في حينه وما إن يتخرج الطالب بعد أربع أو خمس سنوات إلا ويجد السوق قد اكتفى أو اتجه الطلب إلىتخصصات أخرى.
ومن جانب آخر تجد أن كثيراً من الأنشطة التجارية والاستثمارية لا تحتاج إلى التخصصات الأكاديمية بقدر ما تحتاج إلى الممارسة العملية والخبرات النظيرة، لذا فإن من الجيد ترسيخ ثقافة العمل الحر وترسيخ ثقة التجار بالكفاءات الوطنية الشابة وإعطائها الفرصة لمنافسة العمالة الوافدة في مختلف القطاعات.
إن دمج المخرجات المحلية -سواءً ذات المؤهلات العامة أو التخصصية- بمجتمع الأعمال ومنحهم الفرصة وتعزيز ثقتهم بأنفسهم وكونِهم جزءاً من عملية التنمية سيخلق مساحة كبيرة تستوعب المخرجات بغض النظر عن المعايير الأكاديمية والمؤهلات والتخصصات الدقيقة فالسوق دائماً ما يكون أكبر من التخصصات الجامعية، ولتعزيز ذلك ينبغي أن نعزز ثقافة العمل الحر وألا تظل رهن المؤهل الجامعي، وهنا لا تتجه الملامة بشكل رئيسي إلى الجامعات في عدم قدرتها على مواكبة متطلبات سوق العامل تماماً لعدة أسباب، منها ما يلي:
أولاً: أن الجامعات في كل دول العالم أنشئت لتكون منارات للعلم والمعرفة ورفع مستوى الوعي لدى الأجيال وترسيخ القيم ونقل التجارب والخبرات وإثراء المعرفة المتخصصة، وإذا ما أمعنا النظر في هذا الهدف نجد أن كثيراً من التخصصات والأقسام وإن لم تكن تواكب سوق العمل إلا أنها مهمة لبناء الأجيال والتواصل الحضاري والمعرفي كالأقسام المتخصصة في التاريخ والجغرافيا واللغات غير الانجليزية وهكذا، فمطالبة الجامعات بالمواكبة التامة لسوق العمل قد لا يراعي أدوارها الأخرى في حماية الفكر والمعرفة وتحصين التراث الوطني والإرث الحضاري والتاريخي وتعزيز القيم الوطنية والإنسانية لدى الأجيال.
ثانياً: أن طبيعة التخصصات الجامعية تخضع للمعايير الأكاديمية التي تحتم على الجامعات الالتزام بها للحصول على مراكز متقدمة في مصاف الجامعات العالمية، ومن هنا فإن من الصعوبة إلى حد كبير افتتاح وإغلاق أقسام وتخصصات كل خمس أو عشر سنوات طبقاً لانخفاض أو ارتفاع الطلب على مخرجاتها إذ إن السوق يتغير باستمرار ومواكبته في ظل الالتزام بالمعايير الأكاديمية التخصصية سيحمل الجامعات أعباءً إضافية في استراتيجياتها وكوادرها.
إننا لا يمكن أن نلغي دور الجامعات في مواكبة سوق العمل، بل من المهم جداً على الجامعات الإسهام قدر الممكن في ربط المخرجات بالاحتياجات المهنية –خاصة القطاع الخاص- إلا أن هناك حلولاً أكثر مرونة وأسرع استجابة للسوق من انتظار تحديث التخصصات الجامعية، ومنها:
أولاً: تعزيز دور المعاهد المهنية والكليات المتوسطة التي تختصر الزمن وتوفر الجهد والتكاليف وتقلل على المتدرب حجم الأعباء التعليمية والنظرية وتكرس وقته للتدرب على المهن الدقيقة التي ينتظرها القطاع الخاص.
ثانياً: تنمية وعي الشباب والفتيات بوقت مبكر بأهمية العمل الحر وأن المؤهل الجامعي ليس بلازم في كل الأحوال للتقوقع في دائرته، فمتى ما انطلق المتخرج من جامعته بمدارك أوسع وشعور أعمق بقدراته التي تتجاوز تخصصه الجامعي، وبزخم الفرص والأفكار الاستثمارية في السوق وعدم اقتصار ذلك على نوع معين من التأهيل أو التخصص؛ فسيكون لذلك الوعي الأثر الكبير في نجاح السعودي وقدرته على منافسة الوافد من جهة، وعلى كسب ثقة مجتمع الأعمال من جهة أخرى.
ثالثاً: على التجار والشركات الكبرى الإسهام في منح الشباب والفتيات السعوديين الثقة وتنمية قدراتهم وفتح المجال لهم ليكتسبوا قدراً أكبر من الخبرة والممارسة مع توفير العائد المادي الملائم وهو الأمر الذي سيسهم بشكل فاعل في استقرار الشاب السعودي بعمله وتنمية قدراته.
فالمرجو من التجار ومدراء الشركات ومسؤولي التوظيف الثقة بشباب هذا البلد وفتياته، وأن يمنحوهم الفرصة ويفتحوا لهم المجال ويعززوا ثقتهم بقدراتهم وإمكاناتهم مع إكرامهم بعائد مادي يكفل لهم الاستقرار ويكفل للتاجر مزيداً من نجاح الأعمال وبركة الأرباح، فلا أمثل لاقتصاد هذا الوطن من أبنائه فهم عملة الذهب ومعدن الأصالة وكنزه النفيس، فقط ثقوا بهم وامنحوهم الفرصة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال