3666 144 055
[email protected]
أشار تقرير تحت عنوان (The 19th Global Trade Alert Report)، الصادر عن مركز أبحاث السياسات الاقتصادية (Centre For Economic Policy Research) بلندن في شهر يونيو 2016م، إلى أن 81% من قضايا الإغراق (Anti-Dumping) والدعم غير المشروع (Anti-Subsidy) والوقاية من الزيادة في الواردات (Safeguard) على مستوى العالم، قامت بها دول العشرين. كما وأشار التقرير إلى أن أقل دول العشرين تطبيقاً لقوانين الحماية المشروعة هي المملكة العربية السعودية؛ حيث لم تقم بفرض أي رسوم حمائية ضد أي واردات منذ انضمامها لمنظمة التجارة العالمية في حين أنها تلقّت قضايا عديدة موجهة ضدها.
من الواضح أننا في المملكة، نحتاج إلى المزيد من الجهد تجاه مشروعية حماية أسواقنا من الإغراق ومكافحة الممارسات الضارة في التجارة الدولية الموجهة ضدنا لما ينطوي على ذلك من آثار سلبية مدمرة على اقتصادنا، وما يشكله ذلك من تهديد حقيقي لصناعاتنا الوطنية، حين تعجز عن منافسة واردات مُغرقة، إما سعراً أو كماً أو نوعاً، أو كلها مجتمعة معاً.
إن حماية الأسواق والصناعات الوطنية، تعتبر إحدى معايير القياس الهامة لجذب الإستثمار الأجنبي، لأنه من الأهمية بمكان للمستثمر الأجنبي الإطمئنان إلى أن الأسواق التي يستثمرون فيها هي أسواق مستقرة ولديها الأدوات والتطبيقات المناسبة لمواجهة كل مايمكن أن يتسبب في إختلال الأسواق فيجعل منها بيئة غير آمنة.
على صعيد المملكة، هناك الكثير من الشواهد على تأثر صناعات وطنية عديدة بالممارسات التجارية الضارة، منها – على سبيل المثال لا الحصر – صناعة البطاريات، والسيراميك، وأنابيب النفط والغاز غير الملحومة والملحومة، إضافة إلى شكاوى كثيرة شهدتها صناعة الحديد الوطنية بالذات. ومن الجدير بالذكر أن منتجات الحديد والصلب شهدت عالمياً أكبر عدد من قضايا الإغراق والوقاية من بين مختلف المنتجات، حتى أن تقريراً صدر عن منظمة التجارة العالمية في فترة من الفترات السابقة، أشار إلى أن 8 من أصل كل 10 قضايا هي قضايا تتعلق بمنتجات الحديد.
وإذا ما أخذنا صناعة الحديد كمثال، باعتبارها من أهم الصناعات الإستراتيجية لمختلف دول العالم لأنها تساهم مساهمة فاعلة في عجلة التطور وخلق الوظائف والتنمية الاقتصادية، فإن صناعة الحديد الوطنية لمسطحات الحديد الملونة، شهدت تحديات كبيرة بسبب زيادة حادة ومفاجئة وكبيرة في الواردات. ففي حين تبلغ الطاقة الإنتاجية المحلية من مسطحات صاج الحديد الملونة 380 ألف طن سنوياً، فإن حجم استهلاك السوق المحلية قُدّر بحدود 225 – 240 ألف طن عام 2015م، ورغم وجود فائض بحدود 37-41%، إلا أن واردات المملكة بلغت 192 ألف طن عام 2015م، وهو ما شكّل 80-85% من حجم الاستهلاك.
وهذا الكم الهائل من الاستيراد تسبب في وقوع ضرر جسيم على الصناعة الوطنية، مما دفع أكبر منتج لمسطحات الحديد الملونة على مستوى المملكة والخليج إلى التقدّم في شهر مارس 2016م بشكوى للوقاية من الزيادة في الواردات لدى مكتب الأمانة الفنية لمكافحة الإغراق والوقاية من الممارسات الضارة في التجارة الدولية بمجلس التعاون الخليجي، التي تعتبر سلطة تحقيق مستقلة معتمدة لدى منظمة التجارة الدولية.
إن قضية الوقاية من واردات مسطحات الحديد الملونة كانت الأولى على مستوى الخليج أقامتها هذه الشركة السعودية بجهود ذاتية خالصة تستحق الإشادة، وتستحق أن تكون مثالاً يحتذى به.
ففي دورتها الحالية، ستقوم اللجنة الوطنية الصناعية بمجلس الغرف بمبادرة “بناء نموذج عمل لحماية الصناعة السعودية” بالإستفادة من تجربة شركة مسطحات الحديد الآنفة الذكر وكذلك من تجربة لجنة مصنعي البتروكيماويات السعودية لحماية هذه الصناعة عالمياً؛ وأيضاً تجربة مركز كفاءة الطاقة في حماية الصناعة محلياً من أجل توفير بيئة تنافسية عادلة لصناعات المملكة عندما طبق المركز نظام المواصفات السعودية بصرامة وحزم ضمن إطار نظام الغش التجاري وحماية المستهلك. كما ستستفيد اللجنة الوطنية الصناعية من تجربة لجنة مصنعي الألبان ولجنة مصنعي الأسمنت بتوفير مناخ المنافسة المسؤولة التي تحمي مقدرات الوطن وتحافظ عليها.
وستستفيد اللجنة الوطنية أيضاً من تجربة “فريق تطبيق نظام المشتريات الحكومية والمحتوى المحلي”، وهي تجربة فريدة من نوعها في مجلس الغرف السعودية لتفعيل أنظمة حماية الصناعة، والتي نعتبرها أنظمة ممتازة موجودة لدينا ولكن للأسف لا تطبق أو لايتم تطبيقها بالشكل الفعَّال. حيث عمل الفريق على رصد ومتابعة وملاحقة من لايلتزم بقوانين حماية المنتج السعودي والمحتوى المحلي في المشتريات الحكومية والشركات السعودية الكبرى وبالأخص عند منافسة المستورد أيا كان مصدره. كل هذه الجهود والمحاولات، التي عملت على حماية الصناعة السعودية محلياً وعالمياً وحماية مقدرات الوطن، كانت تستحق بلا أدنى شك دعم المسؤولين على كافة الأصعدة وبالذات وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية.
وعوداً على مثال شركة الحديد أعلاه، فإن عدم وجود دعم مباشر من وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، أدى إلى أن التحقيق في قضية الشركة استغرق سنةً كاملة تخللها الكثير من التحديات والمناكفات من جهات دولية عديدة استهدفت إسقاط القضية. ولكن الشركة صمدت أمام كل هذه التحديات الجسيمة لوحدها، إلى أن وصلت سلطة التحقيق إلى نتائج نهائية تؤكد وقوع ضرر جسيم على الصناعة الوطنية. وبتاريخ 7 يونيو 2016م رفعت سلطة التحقيق توصيتها إلى اللجنة الوزارية بدول مجلس التعاون الخليجي، بفرض رسوم وقائية لمدة ثلاث سنوات، إلا أن التوصية لا تزال عالقة وتنتظر قرار اللجنة الوزارية منذ ما يقارب أربعة أشهر.
وهذا مثال واحد يدل أن إن وضع حماية الصناعة ضائع بين وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية ووزارة التجارة والاستثمار ووزارة الاقتصاد والتخطيط ووزارة المالية؛ فإلى أين الملتجأ بعد الله لحماية صناعتنا؟
وحيث تعتبر المملكة الدولة الأكبر صناعياً والسوق الأكبر استهلاكياً على مستوى الخليج، فإنها بالتأكيد الأكثر استهدافا، وبالتالي الأكثر تأثراً من الممارسات الضارة في التجارة الدولية على مستوى المنطقة. وهذا ماتؤكده الأشهر الأخيرة، حيث تلقَّى مكتب الأمانة الفنية بمجلس التعاون الخليجي قضايا عديدة من صناعات وطنية أخرى، تشكو من حالات إغراق وممارسات تجارية ضارة. وبدأ المكتب التعامل مع هذه الملفات وأعلن عن بدء التحقيقات في العديد منها. ونعتقد أنه من الأهمية بمكان أن تجد هذه القضايا الدعم اللازم من المسؤولين وصنّاع القرار حتى تتمكن صناعتنا الوطنية من ضمان بيئة تنافسية عادلة مع الوارداتيتحقق من خلالها توازن أسواقنا وحماية صناعاتنا.
إن تحقيق رؤية المملكة 2030 وبرامجها المختلفة، وخاصة برنامج دعم الصناعة والخدمات اللوجستية، هو الأمل بعد الله في وجود صناعة وطنية قوية ومزدهرة تساهم في نمو و تنوع الإقتصاد السعودي ضمن مجموعة العشرين الأقوى إقتصاديا في العالم.
لذا فإننا نحتاج إلى عاصفة حزم صناعية بإيجاد راعي رسمي “أوحد” للصناعة ليدعمها ويحميها حماية حقيقية من الناحية التشريعية والفنية والرقابية وتوفير الوسائل الفاعلة لنموها وحمايتها من الممارسات الضارة في التجارة الدولية كي تؤدي دورها المنتظر في تنويع مصادر الدخل المنشود. ولتحقيق ذلك، لابد من تضافر جهود المسؤولين وأصحاب القرار لدعمها والوصول بها إلى بر الأمان، وتذليل كل العقبات أمامها من أجل توفير بيئة صناعية قادرة على التطور والمساهمة في دفع عجلة التنمية.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734