الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يكاد لا يمر يوم في الفترة الأخيرة بدون أن تذكر الصحف والوكالات الإخبارية الدولية خبرا يتعلق بالطرح المرتقب لجزء من شركة النفط العملاقة أرامكو. وتتفاوت تلك الاخبار بين التحليلات والآراء المرتبطة بتقييم الشركة وبين التوقعات بشأن الإدراج وطريقته من حيث البورصات التي سيتم الإدراج فيها أو التوقعات بحدوث الطرح من عدمه.
من الطبيعي جدا أن يهتم عالم المال والاستثمار حول العالم باكتتاب سيكون عند حدوثه من الأكبر في التاريخ إن لم يكن الأكبر على الإطلاق. فمعظم الجهات الاستثمارية حول العالم من بورصات وبنوك ومؤسسات وصناديق تتطلع لأن يكون لها حصة من العمل مثل أي اكتتاب ضخم حصل سابقا وبالتالي فإن الإعلام الاقتصادي يتسابق لتقديم المعلومات والتحليلات التي تبحث عنها كل الأطراف المهتمة.
مع كل تلك الضجة والصخب، أرى أنه يتم الخلط بشكل كبير بين طرح جزء من شركة عملاقة للاكتتاب وبين رؤية اقتصادية لدولة ذات اقتصاد ضخم. حتى لو كان موضوع طرح أرامكو للاكتتاب يشكل جزءا من الخطة الاقتصادية لكن الاكتتاب ليس الرؤية، وعوامل نجاح الرؤية لا تقتصر على أرامكو وهذا الكلام ليس تلميحا بفشل الطرح ولا تقليلا من أهميته بل محاولة لوضع النقاش حول أرامكو والنظرة له بما يتماشى مع الأهداف المعلنة والتي يتم العمل على تنفيذها.
تهدف عملية بيع جزء من أرامكو الى عدة أمور أولها رفع كفاءة العمل عبر وضع الشركة في إطار مختلف من الشفافية لما كانت معتادة عليه منذ تأسيسها. رغم أن سمعة أرامكو في العمل والتشغيل كان يُضرب بها المثل إلا أنها كانت بمثابة الصندوق الأسود الذي لا يعرف تفاصيله سوى دائرة ضيقة من المعنيين والمسؤولين وهو ما كان موضع انتقاد محليا ودوليا في السابق. ولذلك فإن الخطوة الجريئة بنقلها إلى مستوى متقدم من الشفافية سيضعها أمام تحدي كبير لرفع كفاءة العمل باستمرار أمام أنظار الجميع. ومن المفارقات الطريفة أن البعض ممن كان ينتقد السرية سابقا ويطالب بالإفصاح تحول الى انتقاد الإفصاح معتبرا إياه أسرارا لا يجب مشاركتها مع أحد.
الهدف الآخر لعملية البيع هو توفير مبلغ يُضاف الى صندوق الاستثمارات العامة مما يمكنه من زيادة الاستثمار في قطاعات حيوية مختلفة داخل وخارج البلد. ومن المهم هنا ملاحظة أن الصندوق يعمل ويستثمر قبل انتهاء عملية البيع ولا ينتظر استكمال عملية البيع ليبدأ عمله. كما أن أهداف الصندوق تتعلق بتنويع الأصول لتحقيق العوائد بالإضافة إلى تفعيل القدرة على تنمية قطاعات مختلفة والقدرة على الوصول الى صناعات تقنية متقدمة ولعب دور فاعل فيها.
أما فيما يخص نشاط أرامكو نفسها فالهدف المعلن هو تحويلها من شركة نفط الى شركة عملاقة في مجال الطاقة ككل وذلك يشمل أيضا التطورات السريعة جدا في عالم الطاقة وقطاعاته المختلفة. وهذا يعني أن الطرح وتقييمه لا يقتصر على النتائج السابقة للشركة بل يتضمن الخطط الاستثمارية المستقبلية وهذا يعني أن طرح الأسهم ليس عملية تخارج.
من ناحية عملية الطرح فعوامل كثيرة تؤثر به منها الوضع الحالي للأسواق المالية وأسواق النفط والأمور القانونية وعمليات التقييم والتكاليف، أي أن العملية في غاية الديناميكية والتعقيد تتبعها مفاوضات مع أطراف مختلفة للوصول الى الصيغة الأنسب التي تُحقق الأهداف الموضوعة. الطرح والإدراج ليس مجرد فكرة تنجح أو تسقط بمجرد ظهور تحليل معين عن الموضوع.
برأيي أن التقييم يجب أن يكون للأهداف المذكورة ككل وليس بشكل مرحلي لعملية الإدراج وما يصاحبها من تحليلات وتقييمات إعلامية لأن كل ذلك جزء من المفاوضات وأساليب الضغط بين بائع ومشتري. ومن يتابع الاكتتابات الكبرى حول العالم يعرف ما يصاحبها من اختلاف للآراء والتقييمات قبل حصولها. لذلك أقول أن تقييم تحقيق الأهداف لا يمكن أن يُجتزأ ويُقيَّم مرحليا خارج الإطار البعيد المدى.
الإطار البعيد المدى هو رؤية اقتصادية تهدف الى اعادة هيكلة شاملة يُشكل موضوع إدراج أرامكو في أسواق الأسهم جزءا منها فقط. وذلك الاكتتاب كما تقدم، عملية ديناميكية معقدة تملك القرار فيه الشركة نفسها ولا أحد يُمكنه أن يُجبرها على طرح الأسهم بطريقة لا تناسبها. ومهما كانت نتائج خطة الاكتتاب فإن التقييم هو للأهداف الأكبر مستقبلا وليس بشكل مرحلي.
الاكتتاب ذو حجم كبير وضخم، لكن لا يمكن إخراجه من سياقه الأوسع في التحليلات الاقتصادية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال