3666 144 055
[email protected]
رحبت الأوساط القانونية والمهتمون بالشأن القانوني بالخطوة المهمة التي قام بها المركز الوطني للوثائق والمحفوظات من خلال إطلاق موقعه الإلكتروني- إطلاقًا تجريبيًا- حيث تم تداول هذا الخبر على نطاق واسع في وسائل التواصل والشبكات الاجتماعية وهذا يعكس مدى الحاجة الملحة والتعطش لقاعدة بيانات متكاملة محدّثة بإشراف جهة رسمية تجمع كل ما يحتاجه القانوني سواء كان مستشارًا أو محاميًا أو قاضيًا أو أكاديميًا. فالموقع يتيح للعموم إمكانية الوصول لجميع الأنظمة واللوائح والاتفاقيات الدولية الموقعة من قبل حكومة المملكة العربية السعودية وجميع أعداد صحيفة أم القرى.
من خلال نظرة سريعة على التطورات التي طرأت على الساحة القانونية مؤخرًا، نجد الكثير من الخطوات التي اُتخذت في الاتجاه الصحيح، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
– قيام الجهات الحكومية باستطلاع رأي العموم من خلال نشر مشاريع الأنظمة واللوائح قبل إقرارها – أو الرفع بها للجهة المختصة لإقرارها – وهذا بلا شك له دور كبير في رفع جودة الأنظمة واللوائح وشموليتها وضمان بقائها مدة أطول دون الحاجة إلى خضوعها لتعديلات لاحقة، وهذا عادة يحدث خلال السنوات الأولى من دخولها حيز التنفيذ نتيجة الفجوة بين الجهة المنظمة – المُشرّعة – والواقع العملي.
– التطوّر الكبير في الأطر القانونية للسوق المالية وذلك بصدور العديد من اللوائح التنفيذية لنظام السوق المالية التي أدت بشكل كبير إلى تطوير السوق ورفع كفاءتها وتعزيز الثقة لدى المستثمرين وتأهيل السوق للانضمام للمؤشرات العالمية.
– صدور نظام الشركات الجديد الذي طال انتظاره (1437هـ – 2015م) متضمنًا الكثير من الإصلاحات القانونية في مجال الشركات وتأسيسها وإدارتها والرقابة على أعمالها.
– إعادة هيكلة لجنة المنازعات المصرفية كجهة قضائية مستقلة مكتملة بدرجتي تقاضي (أولى واستئناف) وتسمية أعضاء باقي اللجان الأخرى.
– استقلالية النيابة العامة (هيئة التحقيق والإدعاء العام سابقًا) وربطها المباشر بالملك وعدم خضوعها لأي سلطة أخرى.
– إتمام سلخ القضاء التجاري من سلطة ديوان المظالم ونقله للقضاء العام وفقًا لنظام القضاء 1428.
– قرار مجلس الوزراء رقم (713) وتاريخ 30/11/1438هـ بخصوص الضوابط المطلوب مراعاتها عند إعداد ودراسة مشروعات الأنظمة واللوائح وما في حكمها وهو ما أكد على ضرورة تطوير الإدارات القانونية في الجهات الحكومية ودعمها بالكفاءات المؤهلة في المجال الشرعي والنظامي، وهذا القرار بلا شك سينعكس على جودة الأنظمة واللوائح وتكاملها على المدى الطويل بالإضافة إلى ضمان التزام الجهات الحكومية بالأنظمة واللوائح بشكل عام.
وفي ظل هذا التوجه والإرادة الظاهرة للتطوير القانوني والرُقي بالأطر القانونية والأنظمة القضائية في المملكة فقد يكون من المناسب النظر في نشر الأحكام القضائية وإتاحتها للمختصين بيسر وسهولة مما سيحقق جملة من الأهداف التي تخدم ثلاث أوساط مختلفة:
القضاء:
– تمكين القاضي من الاطّلاع على الأحكام السابقة يسهم في سرعة البت في القضايا حيث أنه إذا استطاع القاضي الاطلاع على حكم أو أحكام شبيهة بالقضية المنظورة أمامه فإن ذلك سيختصر الكثير من البحث والاستقصاء مع التأكيد على أن ذلك لا يعفي القاضي من بذل جهده للتأكد من سلامة الحكم أو الرأي السابق حيث أن السوابق القضائية ليست ملزمة للقاضي- كما في بعض الأنظمة القضائية الأخرى- ما لم تقرها المحكمة العليا كمبدأ مُلزم.
– تقليل الفوارق بين الأحكام القضائية بدرجة كبيرة بين القضايا المتشابهة وقائعًا وظروفًا خصوصًا في العقوبات، مع التأكيد على بقاء صلاحية القاضي في ممارسة مبدأ التفريد القضائي في حال اختلاف الظروف أو حال المتهم.
– نشر الأحكام القضائية يؤدي بطريقة غير مباشرة إلى رفع جودة صياغة الأحكام القضائية ورصانتها حيث أنه إذا علم القاضي أن الحكم سينشر وسيطلع عليه العموم وسيخضع للمراجعة وسيكون عرضة للنقد فإن ذلك دافع للاجتهاد والحرص على جودة الصياغة وقوة التسبيب وتسلسل الأفكار.
2- المحاماة:
– اطّلاع المحامي على الأحكام في القضايا السابقة الشبيهة بالقضية محل الدراسة سيسهم بلا شك في إعطاءه الطمأنينة للأخذ برأي ما أو تفضيل رأي على آخر.
– إتاحة الفرصة للمحامي لتقديم النقد البناء للأحكام القضائية وإبداء الرأي والتعليق حيالها.
3- المجال الأكاديمي:
– دراسة الأحكام القضائية يعتبر جزءًا مهمًا وعنصرًا أساسيًا في الدراسة القانونية، فطالب القانون يحتاج للاطلاع على الأحكام القضائية جنبًا إلى جنب مع دراسة الشريعة والقوانين وذلك للربط بين الجانب النظري والجانب العملي التطبيقي وأي انفصال بين الجانبين أو خلل في أحد الجانبين يؤدي إلى مخرجات ضعيفة في المجال العملي وإن كان الشخص متمكنًا في الجانب النظري.
– استخدام الأحكام القضائية في البحوث والدراسات تحليلًا ونقدًا أو تدعيمًا واستدلالًا.
وعلينا في هذا السياق ألا نتجاهل أو نُغفل الجهود الكبيرة التي تقوم بها بعض الجهات القضائية في هذا المجال كديوان المظالم ولجان الفصل في منازعات الأوراق المالية من نشرِ لأحكامها، بل يجب شكر هذه الجهات والأخذ بتجاربها لقياس مدى تأثير ذلك النشر على جودة الأحكام الصادرة منها وقوتها مقارنة بغيرها، ولتكتمل المنظومة القضائية والقانونية يجدر تعميم ذلك على جميع الجهات القضائية من محاكم أو هيئات فصل ذات اختصاص محدد بالإضافة إلى نشر الأنظمة واللوائح وأي تعديلات تطرأ عليها والتعاميم المُفسرة للأنظمة واللوائح وجمعها في قاعدة بيانات موحدة مفهرسة تاريخيًا وموضوعيًا مع إتاحة إمكانية البحث بيسر وسهولة، ومن الممكن الاستعانة بجهات متخصصة في هذا المجال مثل شركة تومسون رويترز أو أي شركة متخصصة أخرى لتقديم خدمة مقاربة لخدمة وست لاو “Westlaw”*. ولا أرى مانعًا من تحصيل رسوم معقولة مقابل الاستفادة من هذه الخدمة كما هو معمول به في هذا المجال. ومن الجدير بالذكر أن محاكم القضاء العام (وزارة العدل) التي تشكل الجزء الأكبر من النظام القضائي في المملكة قد بدأت بتدوين القضايا وضبطها إلكترونيًا منذ ما يزيد عن خمس سنوات مما يسهل الأمر للجهة الموكلة بإدارة نشر الأحكام في حال الأخذ بهذا الاتجاه.
*وست لاو “WestLaw”: خدمة الكترونية قانونية متاحة في الولايات المتحدة الأمريكية توفر خاصية البحث في قاعدة بيانات تشمل القوانين الفيدرالية وقوانين الولايات والأحكام القضائية واللوائح الإدارية والاتفاقيات الدولية والمقالات والدوريات القانونية المتخصصة وغير ذلك
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734