3666 144 055
[email protected]
مع الإيمان بتزايد الحاجة لدى شركات السوق المحلي والعالمي للمستشار القانوني المتخصص والجدير لقيادة إداراتها القانونية ، إلا أنك قد تعجب من عدم وجود مسمى “مدير الإدارة القانونية” في شركة قيادية عالمية مثل شركة أرامكو! إذن من الذي يقود هذه الإدارة المهمة في مثل هذه الشركة العملاقة؟.
للإجابة على هذا التساؤل يحسُن بنا أن ننتقل إلى السوق الأمريكي ، حيث منشأ هذه الفكرة الإدارية الخلاّقة. فمنذ منتصف القرن الماضي أو ربما قبل ذلك بدأت الشركات الكبرى في الولايات المتحدة وغيرها تستعين بالمحامين المستقلين بمكاتبهم ، ثم شرعت في تعيين محامين من ضمن موظفي الشركة ، وتطور الأمر حتى استقلت الإدارات القانونية في هذه الشركات و أوكلت إدارتها لأجدر المحامين أداء وخبرة. والجميل أن هذا الاستمرار في تطور موقع المحامي داخل هذه الشركات لم يتوقف ، بل انتهى إلى مفهوم و نموذج جديد تحول فيه مسمى ومعنى “مدير الإدارة القانونية” (Chief of Legal Department) إلى “المستشار القانوني العام” (General Counsel) الذي أصبح – بإزاء إشرافه على الشؤون القانونية- واحداً من أهم المدراء التنفيذين الذين يوجهون السياسة العامة ويقيّمون المخاطر المحتملة لأنشطة وأعمال الشركة ، ويساهم بشكل خاص في صياغة رؤية الشركة و يقود المفاوضات والقرارات المصيرية ، وغالباً تضاف له مهام أخرى كنائب الرئيس التنفيذي مثلاً، و يحصل مقابل ذلك على عائد ضخم جزء منه نقدي والنصيب الأكبر منه – وهو ما يزيد عادة على 70% – يكون أسهماً في الشركة ، إضافة إلى المرتبات والحوافز العالية المعتادة.
ففي عام المالي 2015 حصل المستشار القانوني العام ( ونائب الرئيس التنفيذي) لشركة أبل Apple على مليون دولار كراتب أساسي سنوي و 24 مليون دولار كحوافز، منها مليوني دولار سيولة نقدية و البقية كانت أسهماً في شركة أبل Apple.
بيد أن التأهل لهذا المنصب يتطلب قدراً عالياً من التأهيل المعرفي والعملي ، فكما أن المعرفة و الخبرة القانونية هي الأساس في هذا الشأن ، فإن المهارات القيادية لإدارة فرق العمل وإتقان فن التفاوض وإصدار القرارات من الضروريات لمثل هذا المكان القيادي ، ولكن ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار إمكانية توفر مثل هذه القدرات لدى كثير من المحامين الأمريكيين ، لأن الاعتناء بهذه المهارات عادة تبدأ مع المحامي في السوق الأمريكي ابتداء من دراسته في كليات القانون التي تقدم مواد دراسية متنوعة و متخصصة في القيادة و فن التفاوض و إدارة مكاتب المحاماة ، ثم يبدأ التطبيق في بيئات العمل في مكاتب المحاماة التي تولي هذه الجوانب عناية خاصة ، حتى أنه لا يمكن أن يترشح للشراكة في مكتب المحاماة من لم تتوفر فيه هذه المهارات الإدارية الأساسية. أما منصب المستشار العام فهو يتطلب – إضافة لما ذكر- معرفة و إلماماً كافياً بطبيعة السوق التجاري و حساً واهتماماً اقتصادياً عاماً ، إضافة لملاءمة خبراته واهتماماته بطبيعة تخصص الشركة بترولية كانت أم صناعية أم تقنية.
وفي منصب المستشار القانوني العام في الشركات العالمية الكبرى ، من المعتاد وجود وزراء عدل سابقين أو وكلاء الوزير و قضاة استئناف مميزين و محامين كانوا شركاء في مكاتب عالمية كبرى وذات صيت عالٍ في الأسواق العالمية. و تحرص الشركات على استقطاب هذه الشخصيات التي لها تأثيرها الجلي في صياغة سياسات الشركة ونجاحاتها ورسم استراتيجياتها المستقبلية ، وغالباً فإن المستشار القانوني العام هو من يوكل إليه استقطاب المحامين المميزين للعمل تحت إدارته في الإدارة القانونية للشركة ، والتي بدأت مؤخراً تنافس شركات المحاماة المستقلة . ففي حين كانت الشركات تعتمد على مكاتب المحاماة الخارجية في العقود الماضية، أضحت الإدارة القانونية في هذه الشركات تحت قيادة المستشار العام وتأثيره ، تعجّ بالمحامين المتميزين المتخصصين في مجالات القانون المتنوعة ذات العلاقة بأعمال الشركة ، بل استحدثت بعض الشركات عدة إدارات قانونية متخصصة مستقلة في أعمالها ، كما مرّ بنا مع “شركة ميدترونيك” في مقال
( يوم في الإدارة القانونية لميدترونيك المقال هنا )
ووفقاً لمجلة هارفارد بزنس ريفيو فإن :” المستشار القانوني العام أصبح عضواً أساسياً في فريق الإدارة العليا للشركة ، فليست مهمته مقتصرة على تقديم الاستشارة القانونية للمدراء التنفيذين بل إنه يصوغ ويوجه الحوارات والنقاشات حول أعمال الشركة بشكل عام”
وبالعودة إلى شركة “أرامكو” فإننا نجد أنها نحَت هذا المنحى الإداري الرائد و ترجمت مفهومه ترجمة دقيقة تؤكد دور المستشار القانوني في الإدارات العليا للشركات ، ففي عام 1437هـ عينت مهندس الحاسب الحاصل على شهادة الـ (JD) في القانون من الولايات المتحدة ، الاستاذ/ نبيل المنصور مستشاراً قانونياً عاماً للشركة وأمين سر لمجلس الإدارة، وهو أول سعودي يشغل منصب المستشار القانوني العام في الشركة، ثم قامت بتتويجه العام المنصرم نائباً أعلى لرئيس الشركة إضافة لكونه مستشاراً قانونياً عاماً وأميناً لسر مجلس الإدارة. ونحواً من ذلك فعلت شركة “سابك” وأرجو أن يتبعهما عموم الشركات الكبرى ، فهو أيضاً وجه من أوجه ضبط وتسريع فكرة حوكمة الشركات.
*الجدول يوضح أكثر 10 مستشارين دخلاً في الشركات الأمريكية (عام 2015) ، متضمناً اسم الشركة والمستشار والمناصب الإضافية ثم الدخل الإجمالي وأخيراً الراتب السنوي.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734