الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
“كبيرة يا بلدي !!”. كانت هذه صرخة طفولية في داخلي و أنا أجلس على بعد مترين من قادة الإعلام العالمي و الذين اجتمعوا في الرياض كمتحدثين في احدى ورش مبادرة مستقبل الاستثمار. كان عنوان الورشة “موارد الأرباح: دليلك للاستثمار في الإعلام”، اما المتحدثون فكانوا السيد جستين سميث الرئيس التنفيذي لبلومبيرج للإعلام، و السيد كريس ستيبز الرئيس التنفيذي لمجموعة ذا ايكنومست، والسيد روبرت ثومسون الرئيس التنفيذي لنيوزكورب بالإضافة للسيد جوناثن نيلسون الرئيس التنفيذي لبروفيدنس ايكويتي و التي تستثمر في القطاع الإعلامي. كان الحوار شيقا و ثرياً جدا، عمالقة الاعلام حول العالم يحدثونك كيف أبحروا بمؤسساتهم عبر التغييرات التي تحدث في عالم الصحافة والاتصال والاعلام.
غادرت القاعة و أنا كلي ثقة في أن صحافتنا السعودية لا تعاني أي من التحديات التي ذكروها ، بدليل أن حضور الورشة لم يتجاوز عددهم التسعة أشخاص، و كنت أنا ثاني اثنين سعوديين في الحضور.
لم تمض بضعة أشهر، حتى بدأت صرخات الاستغاثة تتوالى مناشدة المسؤول انقاذ الصحافة الورقية في السعودية و أن المبيعات بدأت بالاضمحلال و أن المعلنين بدأوا بحزم أمتعتهم و الرحيل. بادئا ذي بدء، مصطلح “الصحافة الورقية” مقارب من حيث البلاغة لمصطلح “شريحة الاتصالات المعرضية” ، لأنك تحصل على الشريحة من معرض الاتصالات. الورق و المعرض هما قنوات توزيع المنتج فقط، أما المنتج ذاته فهو خدمة الاتصال في حالة الشريحة، والمعلومة في حالة الصحافة. لذلك دعونا نتفق أن نسميها هنا الصحافة فقط، و لنتفق أن ماتقدمه الصحافة عبر الأخبار و التقارير و التغطيات والمقالات هو “المعلومة”.
السؤال الآن: هل فعلاً توقف الناس عن الرغبة في المعلومة؟
بزنس انسايدر هو موقع متخصص في الأخبار الاقتصادية والتجارية بدأ في عام 2009 م، يستقبل الموقع حالياً مايتجاوز الـ 70 مليون زيارة شهرياً. في احدى ندواته يقول هنري بلودجيت رئيس بزنس انسايدر التنفيذي و رئيس تحريرها: “في عالم الأعمال و التغطية الإعلامية الاحترافية، لازال الناس مستعدين جداً للدفع مقابل الحصول على معلومة مفيدة لهم”. اما كريس ستيبز، الرئيس التنفيذي لمجموعة ذا إيكونيميست، فقد ذكر في ورشة العمل التي أشرت اليها في بداية المقال الى أنهم بدأوا فعلا بالتوسع و حصلوا على فرص جديدة في ظل التغيرات التي تمر بها صناعة الإعلام حالياً.
شركة بوليسي ميك الاعلامية استطاعت ان تثير اهتمام 14 مليون قارئ يزورون موقعها بشكل شهري بعد اقل من سنتين ونصف من بدايتها. تيكساس ترايبون هي مؤسسة إعلامية غير ربحية، وصلت ايراداتها الى ما يزيد عن 5 مليون دولار. برنامج “البرنامج” السياسي المصري الساخر بدأ في 2011 ومنع وتوقف عدة مرات، ومع ذلك فقد حصل على أكثر من 200 مليون مشاهده في اليوتيوب.
الصحفي المكسيكي شومل تورز معد ومقدم برنامج “نبض الجمهورية”، يتابعه الآن أكثر من مليوني شخص من المتحدثين بالإسبانية و حقق برنامجه أكثر من 263 مليون مشاهده حتى الآن. المملكة العربية السعودية هي الأولى عالمياً في الاتصال الرقمي، و الموقع السعودي الأول في عدد الزوار في السعودية هو “سبق”، موقع اخباري. ايضاخلال 5 سنوات استطاعت الصحيفة التي تقرأ من خلالها عزيزي القارئ هذا المقال صحيفة مال اكتساب ثقة المهتمين بالشؤون الاقتصادية في المملكة حتى صارت وكالات أنباء عالمية، يتجاوز عمر بعضها المائة عام، تقتبس منها لتلبية اهتمامات متابعيها في السعودية. كل هذه الأرقام تؤكد لنا أن سوق المعلومة لازال مزدهراً.
هل المشكلة اذاً هي في سوق الإعلانات؟ هل قرر المعلنون أن يصرفوا مبالغ أقل للإعلان عن منتجاتهم و خدماتهم! تشير الأرقام الى أن معدل الصرف على الإعلانات التجارية لازال ينمو، بل إن ما أنفق على الإعلانات التجارية حول العالم في عام 2017 م فقط يقدر ب 539 مليار دولار، و بزيادة قدرها 7% عن العام الذي سبقه.
سوق المعلومة لازال ينمو، سوق الإعلانات لازال ينمو، إذاً أين المشكلة؟ هل للأمر علاقة بما كتبه مارتين لانجفيلد في نيمان لاب عام 2013 م؟ هذا ما سأجيب عنه في الجزء الثاني من المقال بإذن الله، حتى ذلك الحين أترككم في رعاية الله.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال