الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في عام 2013 كتب الصحفي مارتن لانجفيلد مقالاً في نيمان لاب بعنوان “الموت القادم لصحافة السبعة أيام”، حذر فيه من أن انتشار الشاشات المحمولة (الهواتف و الأجهزة اللوحية و اللابتوب)، سيؤدي الى انهيار النموذج التقليدي لصحافة السبعة أيام وادفع لتحصل على جريدة. لم يكن المقال سوداوياً تماماً، بل على العكس أشار الى ان لدى المؤسسات الصحفية موارد كبيرة غير مستغلة تستطيع تسويقها تجارياً لتحقيق موارد إضافية للصحيفة.
في الواقع كان هذا التحذير متأخرا، في عام 2008 أطلق الاتحاد العالمي للصحف مطالبته للمشرعين بالتصدي للتحالف الشرير بين جوجل و ياهو في مجال الدعاية و الإعلان، ذاكرين أن هذا التحالف يهدد أهم مصادر دخل الصحافة. بين عامي 2008 و2010 أقفلت أكثر من 166 صحيفة في أمريكا لوحدها. آخرون بدأوا باتخاذ قرارات مالية صعبة وتخفيض عدد الوظائف، صحف تتجاوز أعمارها المائة عام قررت التوقف عن الطباعة، مثل واشنطن بوست ونيوزويك ولويد ليست والنس الدولية لوال ستريت جورنال.
على الطرف الآخر من العاصفة، نقضت مؤسسات إعلامية أخرى الأساسيات و جربت حلولاً جديدة. من هذه الحلول كان التخلي عن نموذج الدفع مقابل الجريدة أو الخبر و تبني سياسية الاشتراكات والشراكات، و التي تبنته تكساس ترايبون ومينبوست و لاسيلافاسيا الكولومبية. انتبهت مؤسسات إعلامية أخرى لتوفر قدرات صناعة الخبر و تسويق المحتوى و الخبرة الإعلامية التي يتمتعون بها و يحتاجها عالم الأعمال، فاستغلوا هذه القدرات في صناعة موارد دخل إضافية، مثل ميدسيتي نيوز الأمريكية و مي فوز و بيتازيتا التشيليه. الآخرون قرروا نفض الغبار عن المعلومات التي يمتلكونها و تأسيس قواعد بيانات لبيع المعلومات للباحثين، مثل امريكان سيتي بزنس جورنال و كابيتاليس و تكساس ترايبون.
أعود الآن لمملكتي الحبيبة الشابة والتي لم يتجاوز ثلثي سكانها سن الثلاثين، تصفنا شركة جوجل بـ “لا يدخل السعوديون الى الانترنت فحسب، بل يعيشون فيها”. 77%من السعوديين متصلون بالإنترنت عبر مالايقل عن جهازين في المعدل، 86% منا يستخدمون الانترنت بشكل يومي.
إن نأتي لمجتمع كهذا و نقول له اصبر حتى الصباح، ثم اتجه لأقرب بقالة و اشتري ربطة من الورق تحتوي على الاف الأخبار التي تهمك ولا تهمك، ثم اجلس في مكان يكفي أن تتسع يديك فيه لمسافة تقارب الخمسين سنتيمتر، ثم ابحث عن سلة تلقي فيها الورق بعد انتهائك من قراءته، يشبه طلبك من رئيس شركة الكهرباء بأن يدفئ بيته بالحطب.
أحد الأصدقاء حاول جاهداً اقناع زملائه أن المنتجات التي أطلقوها في بلادهم سابقاً غير صالحه لتسويقها في السعودية، حتى وصل النقاش الى تصريح جرئ “يجب أن نثقف العملاء كيف يتقبلون هذه المنتجات” !!. ثلاث سنوات مرت بعد هذا التصريح الناري، عاد أصحاب التصريح الى بلادهم، اما صاحبي ورفاقه فقام العملاء بكل قسوة بتثقيفهم في أن ما يرغبه العميل هو مايدفع مقابله، و كان العملاء لايرغبون بتعديل رغباتهم و طريقة حياتهم لأجل ارضاء ميول صاحبي و رفاقه.
المعلنون لم يرحلوا، لكن الحاجة جعلتهم يخترعون طرقا جديدة للإعلان في العالم الرقمي. لم يحاولوا “تثقيف” العملاء كأصحاب القصة في بداية المقال، و لم يحاولوا اللجوء للحكومة لحل مشكلتهم. مستقبل الصحافة في السعودية لا يكمن في تأسيس حساب الجرائد على غرار حساب المواطن، مستقبل الصحافة هو استيعاب العالم الجديد والمجتمع الجديد والتكيف معهم.
حساب المواطن و حساب الجرائد (1-2) رابط المقال السابق هنا
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال