3666 144 055
[email protected]
كنت مع رجل أعمال كبير السن يمارس التجارة بفلسفة بسيطة جدا لكنها مثمرة ، فهو لا يعترف بأي عمل لا يسيطر عليه بنفسه ، ولا يؤمن بالأصول غير الملموسة . قابلنا ابن رجل أعمال كبير جدا ، وبعد افتراقنا سألني “هل عرفته” قلت “لا” قال “ّهذا ابن فلان” ، أخبرني والده أن هذا الإبن خسّره (وذكر مبلغا ضخما) سألت “كيف؟” ، قال “في الاستثمارات السريعة التي تحول المائة ألف ريال إلى ريال في ليلة” ضحكت .
خديعة توظيف الأموال أو تشغيل الأموال خديعة قديمة جدا ومازالت تخدع الكثيرين رغم انتشار المعرفة والمعلومة والأخبار المؤكدة عن ضحايا تلك الاستثمارات . تقوم هذه الخديعة على فكرة بسيطة لاتتغير أبدا ؛ إنشاء تجارة من أي نوع برأسمال بسيط جدا ، ثم دعوة بعض المعارف للمساهمة وتقديم أرباح كبيرة لهم من أموال المستثمر الخاصة وليست من نتائج الأعمال ، نشر أخبار تلك الأرباح بين الناس . يستمر العمل بهذه الطريقة لأطول مدة ممكنة ، يجمع المحتال أموال الناس ثم يعطى أوائل المساهمين أرباحا من أموال الجدد لزيادة أعداد المستثمرين ، حتى يعتقد أنه وصل للمبلغ الأقصى الذي يستهدفه أو إذا خاف من انكشاف أمره ، يتوقف فجأة ويختفي وقد يقبض عليه قبل توقفه أو بعد التوقف مباشرة.
هذه الخديعة تعرف في الاقتصاد بالهرم المقلوب (رأس الهرم للأسفل) ؛ فالأموال الداخلة في البداية كبيرة والخارجة قليلة بسبب الأخبار عن توزيع أرباح كبيرة جدا لا تخطر على البال ، لدرجة أن المحتال لايستطيع عد الأموال التي تصله في البداية ، ثم بعد إنكشاف الخديعة بأي طريقة كانت يبدأ المساهمون في المطالبة بأموالهم ليعود الهرم لوضعه الطبيعي ، فيتوقف تقريبا دخول الأموال ويطالب الجميع بأموالهم . حالات قليلة يستطيع فيها المحتال الفرار بالأموال ،والسبب في عجزه عن الهروب ضخامة الأموال التي تحصل عليها ، والتي لا يستطيع نقلها بعيدا عن المسآلة الحكومية ، ومن ينجحون فإما أنهم يقومون بذلك على فترة طويلة وبمبالغ بسيطة أثناء قيام المشروع ، أو بمساعدة فاسدين .
شيء عجيب أن تكون هذه الخديعة القديمة والمعروفة ورغم ما أصبح عليه الناس من وعي وعلم أنها مازالت تحدث ومازال الناس يقعون فيها وينخدعون بمكاسبها الوهمية ، والأكثر عجبا أن معظم من يقع في تلك الخديعة هم من أبناء السوق والتجار المتمرسين ، الذين يجب ألا يصدقوا كل تلك الأرباح التي تعلن وأنه لا توجد تجارة على وجه الأرض يمكن أن تدر كل تلك الأرباح خلال مدة وجيزة مهما كانت .
سألت أحدهم عن الأرباح التي يقدمها لهم المستثمر الذي يشغل أموالهم فقال رقما خرافيا ، حسبتها فوجدتها تتجاوز 1000٪ في أقل من ستة أشهر في تجارة لا يمكن أن تعطي أكثر من 10٪ في السنة ، تعجبت من هذا الرقم وحاولت إقناع صاحبي أنه خديعة لكنه لم يقبل مني ، بعد فترة بسيطة تم القبض على ذلك المحتال وضاعت كل أمواله ومعه المئات .
اعتقد أن السبب الرئيسي لإنخداع الناس في مثله تلك الإستثمارات الكاذبة هو الجشع الذي يعمي صاحبه عن الخديعة الواضحة ،وبعضهم يعرف أنها خديعة لكنه يظن أنه يستطيع الخروج في الوقت المناسب . أي أنه يمارس الإحتيال هو أيضا ، وقلة نجحوا فعلا بهذه الطريقة . ومن الأسباب بطء التحرك الحكومي في كشف ومحاكمة هؤلاء اللصوص ، وغالبا لا يتم التحرك الحكومي إلا بعد أن يصبح عدد الضحايا بالآلاف والمبالغ بالمليارات أو مئات الملايين وتستهلك بعض الأموال التي حصل عليها ذلك المحتال ويتعقد حل القضية .
(سوا)، (البيض)، (المساهمات العقارية الوهمية)، (لحوم المراعي)… الخ امثلة مشهورة اضافة الى بقالات صغيره جدا توظف الأموال ، الخديعة مستمرة والمخدوعون لايتوبون . والأن جاءت أسواق الفوركس والعملات الالكترونية .
اعتقد أن غسيل الأموال من أهم أسباب إنتشار مثله هذه الاستثمارات الكاذبة ، واعتقد أن مجرمي غسيل الأموال لا يتم كشفهم في مثل هذه الجرائم لأنهم يدخلون ويخرجون في الأوقات المناسبة لسبب لا أعرفه .
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734