الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
على الرغم من أن الوقف يتضمن معاني الديمومة والنمو، فهو حبس للأصل وتسبيل للمنفعة أو الثمرة، إلا أن المتتبع للأوقاف يلحظ تعرض الكثير منها للاندثار على مر التأريخ. ويظهر ذلك جلياً للمتأمل فيما هو قائمٌ اليوم من أوقاف الصحابة -رضوان الله عليهم-، والأوقاف التي أوقفها المسلمون في القرون الأولى بعد الهجرة النبوية، وفي مراحل شهدت نمواً مطرداً في الإقبال على الوقف، وبما يسهم في تحقيق الحياة الطيبة لأفراد المجتمع الإسلامي من جهة، وحمايته من مختلف التحديات الداخلية والخارجية من جهة أخرى.
نعم، هناك سنن إلاهية في هذا الكون، منها المداولة “وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ” آل عمران 140، إلا أن المنشغلين بالوقف تصدوا لمظهر اندثار الأوقاف؛ لتشخيص المسببات البشرية ومعالجتها. ومن أهم تلك الكتابات، بحث قدم للمؤتمر الدولي الثالث للأوقاف في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عام ١٤٣١ للدكتور عبد الله بن ناصر السدحان – وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية في السعودية سابقاً- بعنوان: “الاندثار القسري للأوقاف: المظاهر – الأسباب – العلاج”، رصد فيه الباحث عشرة أسباب لاندثار الأوقاف الإسلامية، وختم بتقديم مجموعة من الحلول المعالجة، كانت منها توصية بإنشاء مركز عالمي يتبع رابطة العالم الإسلامي، أو الهيئة العالمية للوقف -عضو مجموعة البنك الإسلامي للتنمية-؛ للمساعدة في توثيق الأوقاف الإسلامية حول العالم عبر أحدث الوسائل والأساليب التقنية والفنية، وبما يسهم في حفظ الأوقاف على المدى البعيد، مؤكداً في الوقت ذاته أن هذا التوثيق مكملٌ ومعاضدٌ للتوثيق الرسمي للأوقاف في كل دولة.
وفي السنوات الأخيرة، تزايد الاهتمام العالمي دولا، وحكومات، وشركات، وأفرادا، بالجيل الجديد من التقنية المسماة بنظام “البلوك-تشين Blockchain ” أو “انترنت التعاملات”. وبحسب خبراء فهي تقنية واعدة ستسهم على نحو مؤثر وفعال في تطوير أساليب الكثير من التعاملات، من خلال التطبيقات اللامحدودة، والتي يمكن أن يحتضنها هذا النظام الجديد من التقنية، وليس أقل ذلك العملات الرقمية بأنواعها. إذ شرعت مجموعة من الدول في الإفادة من هذه التقنية في إنشاء قاعدة بيانات متكاملة ومترابطة عن العقارات والأملاك، وما يتبع ذلك من تنظيم عقود الشراء والبيع والإيجار، ومختلف الالتزامات.
من هنا، وعند التأمل في مختلف العوامل المتعلقة بوثائق الأوقاف في دول العالم الإسلامي اليوم من تأخر أنظمة الأرشفة والاتصال والتسجيل في الدوائر المعنية بالأوقاف في حالات، وإمكانية التلاعب أو إخفاء أو تزوير الوثائق من مختلف الأطراف في حالات أخرى، وتأثير مجموع هذه العوامل ونحوها في اندثار الأوقاف، إضافة إلى المزايا التي يتحدث عنها خبراء تقنية “البلوك-تشين” وما تتمتع به من مصداقية، وشفافية، ودقة، وسرعة في التنفيذ، وتقليص للنفقات ونحوه، فإن هذه الورقة وعوضاً عن الاستعجال في تقديم توصية بتحفيز الأوقاف على أرشفة وثائقها، ورفع بياناتها، واعتماد هذه التقنية في تعاملتها، تقدم دعوة مفتوحة لكافة المعنيين بقطاع الأوقاف سواء كانت جهات أكاديمية، أو بيوت خبرة، أو خبراء ومختصون وباحثون؛ لإجراء مباحثات معمقة عبر البحوث والورش والحلقات العلمية، للوقوف على الفرص التي يقدمها نظام “البلوك-تشين” للأوقاف. سواء من ناحية حفظ وأرشفة وثائق الأوقاف الإسلامية حول العالم من جهة، أو تنظيم العلاقات التعاقدية للجهات الوقفية مع مستفيديها ومختلف الأطراف من جهة أخرى، أو رصد نمو الأوقاف الإسلامية، وبناء قاعدة معلومات متكاملة وتعزيز الشفافية فيها، إضافة إلى العناية والتأمل في مخاطر هذه التقنية، والتوقيت الأنسب لولوجها.
كما تقدم الورقة دعوة لكافة الجهات ذات العلاقة بالاقتصاد الإسلامي حول العالم، سواء كانت أكاديمية أو بحثية أو مهنية؛ للمبادرة في تنفيذ مجموعة من البرامج التوعوية والتأهيلية؛ لوقوف الكوادر العاملة فيها والمستفيدة من برامجها، على الحد الواجب من المعرفة بنظام “البلوك-تشين”، وتحفيز البحوث في اتجاه “فرص تطوير منظومة الاقتصاد الإسلامي وأدواته من خلال تقنية “البلوك-تشين”، سواء في الزكاة، أو الوقف، أو عمليات وعقود التمويل والتأمين، أو عمل المنظمات غير الربحية، ومؤسسات العمل الإنساني والخيري.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال