الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كنت قد كتبت مقالاً سابقًا عن أهمية التعليم المالي لزيادة الوعي المالي في المجتمع، ولكن هنا أحاول الإجابة عن سؤال: هل زيادة وانتشار برامج التوعية المالية كافية لزيادة الوعي المالي للمجتمع؟ الحقيقة أن المعرفة وحدها لا تكفي لتغيير السلوك لدى الفرد والمجتمع، ولتوضيح ذلك هناك مثال دائمًا أستخدمه، المدخنون يعلمون أن التدخين مضر، ومع ذلك ما زالوا يدخنون، وقد يكونون أحسوا بآثاره السيئة، ومع ذلك لم يتوقفوا، لذلك المعرفة وحدها لا تكفي لتغيير السلوك، يجب العمل على موضوع الدوافع، وأيضًا استخدام المعارف المتاحة (مثل تطبيقات الاقتصاد السلوكي) لتسهيل اتخاذ قرارات أكثر عقلانية للأفراد.
على سبيل المثال، كلنا نعرف أن الانضمام لبرنامج ادخاري للتقاعد قرار رشيد وضروري لكل الأفراد، لكن لو اعتمدنا على عقلانية الأفراد فهل سيقومون جميعًا بالاشتراك في برامج الادخار للتقاعد؟ هناك دراسة بعنوان ” سلطة الاقتراح” نشرت في عام ٢٠٠١م قامت بها (بريجيت مادريان) بروفسورة السياسة العامة في جامعة هارفارد و (دينيس شي) عن نسبة مشاركة الموظفين الجدد في برنامج الادخار للتقاعد قبل وبعد تعديل إجراء بسيط، كان الوضع القائم أن مشاركة الموظف في برنامج الادخار للتقاعد بما يعرف بـ(401K) يكون بناء على طلب الموظف عند حصوله على الوظيفة، أي أنه بعد توظيفه يعطى طلب الانضمام للبرنامج وتعبئة نماذج للدخول في برنامج الادخار للتقاعد، وكانت نسبة المشاركة بالكاد تصل ٢٠٪ من الموظفين الجدد، وبعد ٣٦ شهرًا تصل إلى ٦٥٪.
بعد قيامهم بتعديل بسيط وهو جعل الأصل والطبيعي أن الموظف مشترك في البرنامج ما لم يقم بطلب بعدم رغبته في الاشتراك في البرنامج، قفزت نسبة المشاركة إلى ٩٠٪ عند التوظيف وترتفع إلى ٩٨٪ بعد ٣٦ شهرًا. هذا التجربة تثبت أن الإجراءات والسياسات العامة أنجع بكثير في زيادة الوعي المالي من مجرد نشر التعليم المالي.
نعود لسؤالي: هل التعليم المالي كافٍ لزيادة الوعي المالي؟ الإجابة لا، يجب تعديل السياسات العامة لمساعدة الأفراد لاتخاذ قرارات أكثر عقلانية وأكثر رشدًا، وهذا لا يعني أن التعليم المالي ليس ضرورة وخطوة أساسية، بل التعليم المالي ضرورة وخطوة أساسية لكن ليست كافية. ولنتذكر الأثر: «إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن».
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال