الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
إن المتأمل في زيارات سمو ولي العهد الأخيرة يلحظ العديد من الرسائل المميزة والغير مسبوقة والتي تبين حجم قوة ومتانة العلاقات السياسية والاقتصادية للمملكة مع المجتمع الدولي. فقيام المملكة بالاتفاق والتعاقد على عددٍ من الصفقات في مجالات متنوعة سواءً على صعيد التسليح أو الفضاء والتكنولوجيا وغيرها مع دول وشركات كبرى، تبين مدي جدية وعزم المملكة نحو التغيير إلى الأفضل. وبالتأكيد فإن حديثنا عن كل الصفقات في هذا المقال لن يعطيها القدر الكافي. ولكن أهم ما يلفت الانتباه هو صفقات السلاح التي عقدت في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا واسبانيا.
فوفقاً لمعهد الدراسات الاستراتيجية، تعتبر المملكة واحدة من أكبر خمس دول في الانفاق العسكري. ومما لا شك فيه، أن المملكة قد اعتادت على شراء الأسلحة بشكل مباشر من الدول المصنعة ثم نقلها إلى المملكة. والسؤال المطروح هنا، هل قامت المملكة في هذه المرة بشراء السلاح فقط؟
في قراءة بسيطة للمشهد، فإننا نلحظ بأن المملكة لم تقم فقط بشراء السلاح هذه المرة، بل إن ما حدث قد تعدى ذلك إلى مرحلة جديدة تخوضها المملكة الآن تمثلت في توقيع اتفاقيات مشتركة (Joint Venture) بين شركات سعودية وشركات عالمية كما هو الحال في المشروع المشترك بين الشركة السعودية للصناعات العسكرية (SAMI) وشركة بوينج والذي يهدف إلى توطين الصناعة العسكرية بنسبة تتجاوز الـ ٥٥٪ ، كما أن أحد أهم أهداف هذا التوطين هو نقل التكنولوجيا والتقنية على المعدات العسكرية. كما وقعت الشركة السعودية للصناعات العسكرية (SAMI) أيضاً اتفاقية شراكة استراتيجية مع شركة NAVANTIA الإسبانية للصناعات البحرية والتي تهدف إلى نسبة توطين أكثر من ٦٠٪ من كافة الأعمال المتعلقة بأنظمة القتال على السفن، مشتملةً على نقل تقنياتها وتركيبها ودمجها على السفن. ومن هنا ندرك بأن عملية نقل التكنولوجيا تعطي المملكة الحق كمرخص له باستخدام هـذه التقنيات في صناعاتها العسكرية. وهذا يدل على أن الأهمية الاقتصادية للملكية الفكرية تمتد أيضاً إلى المجال العسكري.
وهنا يجب القول بأن الملكية الفكرية – وخاصةً براءات الاختراع – تشكل نسبة هامة من قيمة أنظمة بعض الأسلحة، خاصةً بعد التطور المتسارع لأنظمة السلاح التقنية. وبالتالي فإن قيمة بعض الأسلحة لا تكمن فقط في الهيكل أو المحركات بل تتعداها إلى برمجياتها وتقنياتها في إدارة القتال. وهذا ما جعل الدول اليوم تتنافس في ابرام اتفاقات ترخيص استخدام تكنولوجيا أنظمة الأسلحة ولكي تتجنب أيضاً عملية انتهاك الحق الفكري لأسلحة الدول الأخرى دون الحصول على إذن. وهذه الأهمية المتزايدة قطعاً من شأنها التأثير بشكل إيجابي على أهمية الملكية الفكرية الاقتصادية في المجال العسكري.
وعند الحديث عن انتهاك الحقوق الفكرية في المجال العسكري، فإن الولايات المتحدة تعتقد بأن الصين متورطة في سرقة حقوقها الفكرية وخاصةً فيما يتعلق بالتكنولوجيا العسكرية. وهنا يقول هاري كازيانيس مدير الدراسات الدفاعية في مركز الشؤون الوطنية “قامت بكين بحملة لسرقة العديد من أنظمة الأسلحة والمصنفة كأحد أكثر الأسلحة الفتاكة التي أنتجتها الولايات المتحدة على الإطلاق … بما في ذلك صاروخ باتريوت، ونظام ثاد للدفاع، وغيرها الكثير.” ويقول كازيانيس على صعيد سرقة الحقوق الفكرية في المجالات الأخرى بأن ” الشركات الأمريكية لا تستطيع الوصول إلى السوق الصينية إلا إذا وافقت على التخلي عن ملكيتها في الحقوق الفكرية للشريك الصيني المتمثل في شركة محلية تسيطر عليها الحكومة. وأن سرقة الملكية الفكرية يمكن أن تكلف الولايات المتحدة ما يصل إلى 600 مليار دولار سنوياً.”
ومن المتوقع في المستقبل بأن السرقة في هذا المجال قد لا تقع على هيكل أو شكل السلاح بل قد تمتد إلى الهجوم الالكتروني والتقني لتلك الأسلحة. وبالتالي، تقوم العديد من الدول بالضغط على شركات التكنولوجيا الوطنية لمساعدة الدولة في مجال تطوير أنظمة التكنولوجيا العسكرية. كما تسعى الدول الصناعية أن تهيمن على الذكاء الاصطناعي ومن ثم استغلاله في المجال العسكري.
وفي الختام، إن ما تقوم به المملكة اليوم يدعو إلى التفاؤل ولكن في مرحلة ما يجب على المملكة أن تكون رائدة في عملية تصنيع وتطوير أنظمة الأسلحة بالتزامن مع تطوير أنظمة وقوانين الملكية الفكرية. وهذا من شأنه أن يضع المملكة كدولة مصنعة بدلاً من أن تكون دولة مستهلكة – خاصةً في مجال التصنيع العسكري -، إضافةً إلى الحماية القانونية التي توفرها لهذه الصناعة على وجه الخصوص. ومن المؤكد بأن هذا سوف يؤثر بشكل إيجابي على اقتصاد المملكة ويعزز من مركزها بين الدول الأخرى في ممارسة تأثيرها السياسي والاقتصادي.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال