الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يخطئ الكثير من الأفراد في التفرقة بين الانتقاد والاتهام، مما يجعلهم يدخلون تحت طائلة التجريم والعقاب بسبب سوء استخدام هذين المفهومين أو الخلط بينهما، ومما لاشك فيه أن انتشار تطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي ساهم مساهمة عظيمة في خلق هذا اللبس أو الخلط بين المفهومين، حيث اصبح من السهولة لهؤلاء الكتابة للشخصيات محل الاعتبار والاهتمام كالمسؤولين في الجهات الحكومية – على سبيل المثال – وكذلك المختصين والشخصيات المشهورة في مختلف المجالات.
فيرى هؤلاء الأفراد أن من حقهم توجيه الانتقاد للأشخاص المعنية وأن هذا الحق مكفول بموجب أحكام الشريعة الإسلامية، حيث أن الأصل في الأشياء الإباحة، والجواز الشرعي ينافي الضمان. وليست المشكلة في هذا الاعتقاد؛ وإنما المشكلة الحقيقية تتمثل في عدم وجود مفهوم موَّحد للانتقاد، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى خلق لبس مابين الانتقاد والاتهام، إذ قد يعبر العديد من الأشخاص عن آرائهم معتقدين بأنها تجسد نقداً لأحد الأشخاص، بينما هي في الحقيقة تشكِّل اتهاماً. ومن المؤكد بأن الأفراد ليس لهم ممارسة صلاحية اتهام الآخرين، إذ أن هذه الصلاحية تقتصر مباشرتها على جهات حكومية مختصة بتوجيه الاتهام لمن يكون في موضع اتهام يستوجب التحقيق معه ومساءلته، كجهة النيابة العامة أو جهة الرقابة والتحقيق على سبيل المثال.
معجم الوسيط عرّف مصطلح الانتقاد بأنه إظهار مساوئ وعيوب التصرف. أما مصطلح الاتهام فيعرّف في معجم الوسيط بأنه ما ينسب للشخص من تهمة جراء اعتداء أو جريمة. ويتبين لنا بعد تعريف المصطلحين أن هنالك فرق جوهري بين المفهومين، وهذا الفرق يتجلى عندما ننظر إلى ما ينطوي عليه كلاهما، حيث أن الانتقاد يستهدف إظهار عيوب الطرف الذي يتعرض للانتقاد بشأن فعل أو قول كان قد صدر منه. ولكن ذلك لايعني بالضرورة أن هذا الفعل أو القول يشكّل جريمة يعاقب عليها النظام.
إن الانتقاد في كينونته يجسد العملية الذهنية التي من خلالها نصدر الأحكام على الآخرين. وبالتالي فإن الحكم على الأفعال أو الأقوال الصادرة من الآخرين يخضع لتقدير وتقييم ذاتي، إذ أن كل شخص يقيِّم تصرفات الغير وفقاً لقناعاته ومعتقداته الشخصية، مما يعني بأن الانتقاد يعد ذو طبيعة نسبية يختلف من شخص لآخر؛ فما يعد سلبياً برأي أحدهما قد لا يعد بالضرورة سلبياً برأي الشخص الآخر. وبناء على ماسبق، فإن النظام الجنائي لا يتدخل في سلبيات ومساوئ التصرفات أو الأفكار طالما أنها لا تدخل نطاق التجريم.
أما الاتهام فهو قيام السلطة المختصة بالادعاء أنّ شخصاً ما قام بارتكاب فعل يمثل جريمة يعاقب عليها النظام، فهو حق مكفول للنيابة العامة أو اللجان والجهات التي منحها النظام بموجب نصوص خاصة سلطة توجيه الاتهام – مثل هيئة مكافحة الفساد – فالأفراد العاديون لا يملكون السلطة التي تخولهم توجيه الاتهام إلى الآخرين، ومن ثم فإن قيام أحد الأشخاص بتوجيه الاتهام إلى شخص آخر قد يوقعه في نطاق التجريم والمسؤولية الجنائية خاصة إذا كان توجيه الاتهام في منصات التواصل الاجتماعي، حيث يدخل ضمن التشهير بالآخرين وإلحاق الضرر بهم، والمعاقب عليه وفقاً للفقرة الخامسة من نص المادة الثالثة من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، والتي تنص على ما يلي ” يعاقب بالسجن مدة لا تزيد عن سنة وبغرامة لا تزيد عن خمسمائة ألف ريال، أو بهاتين العقوبتين كل شخص يرتكب أياً من الجرائم التالية: “التشهير بالآخرين وإلحاق الضرر بهم، عبر وسائل تقنيات المعلومات المختلفة”.
ومن الملاحظ في مواقع التواصل الاجتماعي – كشبكة (تويتر) على سبيل المثال – انتشار الكثير من الأوسمة التي تشن هجمات اتهامية على شخصيات معينة؛ إذ تتضمن هذه الأوسمة اتهاماً لشخص أو أكثر بارتكاب جريمة يعاقب عليها النظام السعودي، مستندين في توجيه هذا الاتهام على مقطع مصور مجتزأ أو صورة منتشرة أو حتى بعض الكتابات التي قد تصدر من أصحاب بعض الحسابات في الشبكة مستفيدين من شهرة حساباتهم ومتابعتهم من قبل الكثير، مما يضفي على كتاباتهم قدرة على خلق تأثير ويحقق لها سرعة الانتشار، وقد يتبين بعد حين، بعد تحرك الجهات المختصة بالدولة استجابة للرأي العام، وبعد استدعاء المتهم والتحقيق معه أن الشخص محل الاتهام لم يرتكب أي جريمة ولم يصدر منه ما يستوجب المساءلة أو المعاقبة وفق نصوص النظام؛ بل أنه قد يتبين العكس من ذلك تماماً، بحيث يكون الشخص محل الاتهام في الحقيقة مجني عليه وليس جانياً، ومن ثم يتضرر من التشهير الذي لحقه والذي قد يترتب عليه تشويه سمعته ومكانته. فالتشهير عقوبة لا تصدر إلا بحكم قضائي ولا يجوز للأفراد العاديين التعدي على صلاحيات القضاء والحكم على الآخرين بالتشهير.
ومن صور الخلط بين مفهوم الانتقاد والاتهام قيام البعض في مواقع التواصل بالكتابة لمسؤول يعمل في جهة حكومية بأنه رجل فاسد أو غير نزيه، كأن يتم اتهامه بالاختلاس من مال الدولة، وغير ذلك من صور الاتهام التي لا يخول للأفراد سلطة توجيها للآخرين. فحتى لو افترضنا جدلاً أن هذا المسؤول قد قام بالاختلاس فعلاً، فشبكة التواصل الاجتماعي ليست محلاً لتوجيه الاتهام ومساءلة الآخرين واستجوابهم والتحقيق معهم، وإنما يتم ذلك من خلال الجهات المعنية بالدولة. فالأفراد وإن كانوا غير مختصين بتقييم عمل المسؤول إلا أنه لا يوجد ما يمنع نظاماً من توجيه انتقادات معينة للمسؤول كإظهار مساوئ اتخاذ قرار معين، أو سلبيات مشروع قام به المسؤول، إلا أن هذا الانتقاد يجب ألا يتضمن عبارات تدخل في نطاق الاتهام كوصف المسؤول بالفاسد أو المختلس.
لذلك يجب على رواد مواقع التواصل الاجتماعي الحذر عند انتقاء مفرداتهم، فيُفترض فيهم عدم المبالغة في الانتقاد مما قد يؤدي بهم إلى اتهام من ينتقدونه دون وعي منهم بخطورة ذلك. إن صدور الاتهام ممن لا حق له في إصداره يسيء إلى من تعرض للاتهام، ومما لا شك فيه أن الإساءة إلى الغير تعد مجرمة وكذلك هو الحال بالنسبة لنشر هذه الإساءة. ويعد نشر الإساءة تشهيراً يعاقب عليه نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية.
والدولة تكفلت بإنشاء الجهات المختصة التي تستقبل الشكاوى كالشرطة أو التي تستقبل الدعاوى كالمحاكم، ومن ثم لا يجوز للأفراد العاديين اختيار منصات التواصل الاجتماعي لتوجيه الادعاء أو الاتهام ضد الغير، حتى وإن كان ادعاؤه أو اتهامه صحيحاً، لأن نشر دعواه أو اتهامه في مواقع التواصل يعد تشهيراً للغير لا يجب أن يصدر سوى من القاضي المختص بنظر الدعوى.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال