الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
خطوة مهمة أن يقود الحقيبة الوزارية للعمل والتنمية رجل من القطاع الخاص وله العديد من الخبرات التي تجعل منه رجل المرحلة القادم لهذه الوزارة التي عانت من تخبطات تنفيذية جعلت من القطاع الخاص في مهب الريح، بدلاً من أن يكون شريكاً ولاعباً رئيسياً بجانب الحكومة في التنمية. أصبح مكتوف الأيدي في ظل قرارات زادت من هشاشة موقفه والحقيقة أنها تعد التجربة الثانية لوزير يأتي من القطاع الخاص، ولكن مهمته قد تكون أصعب في ظل تغيرات هيكلية يشهدها الاقتصاد السعودي على مستوى جميع القطاعات، منها الطاقة، والعمل، والصحة، والتعليم، وبدأت تتغير سياسية استخدام الموارد الطبيعية، وبدأ الاتجاه إلى تنمية المهارات البشرية وتوجيه طاقات الشباب السعودي وتوظيفها بالشكل الأمثل.
ونسأل الله له العون في إدارة سوق العمل، ورفع كفاءة التوطين وتفعيل برامج ذكية وابتكارية وليست تقليدية، لتعطي القوة والتحفيز والثقة للسوق من جديد نحو النمو والازدهار، فمعاليه أمام تحدي كبير لتحفيز وتنمية الفرص الاستثمارية لمنشآت القطاع الخاص، لتصبح مولدة لفرص العمل للمواطنين والمواطنات، وتنمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة وتشجيع الاستثمارات السعودية، ومعالجة التحديات التي تواجه القطاعات الاقتصادية، ورفع مستوى التوطين من خلال برامج وآليات تنفيذية عملية، وتعزيز الشراكات والتعاون مع القطاعين الحكومي والخاص.
وذكرت في مقال سابق تحت عنوان: “وزارات بلا إبداع” في جريدة الرياض بتاريخ 25 نوفمبر 2015 بأنه مع الأسف وزاراتنا بعيدة جداً عن الإبداع والإبتكار ودائماً ما نٌلقي باللوم على الوزراء بأنّهم لم يواكبوا التغيير ولم يحققوا نتائج مرضية تصل بأثرها للمواطن البسيط . وحقيقة لنكون مٌنصفين فكثير من وزراءنا نجحوا في القطاع الخاص وحققوا نتائج كبيرة وصنعوا مؤسسات نشهد لها جميعاً بالتميز ومواكبة التغيير، وأن (الموارد البشرية) تعد الحلقة الأقوى والمحرك الأساس لإنجاح العمل المؤسساتي، الذي يوثر بدوره في منظومة العمل الحكومي بأكملها، ما يتطلب التركيز في إعداد كوادر مؤهلة تستطيع استثمار التعلم وتحويل الابتكار إلى إبداع.
إنّ الحكومات المبدعة تسعى إلى ضمان عمل مؤسساتها بشكل متكامل ومتناغم كخلية نحل لتحقيق مستهدفات معينة، بحيث يمكن الوصول إلى خدماتها من خلال نافذة موحدة، وهو ما يستدعي إعادة هندسة إجراءاتها وتصميم رحلة المتعامل معها بحيث لا تقتصر على مؤسسة بمفردها، بل تشمل المستوى الكلي للمؤسسات الحكومية. إن الحكومات والمؤسسات ما زالت تطور استراتيجياتها ومشاريعها بكلف عالية ولا تعير الاهتمام الكافي لإعادة هندسة عملياتها بشكل يخفض الكلفة ويرفع مستوى الكفاءة هذا غير المشاريع المتعثرة التي تسحبهم إلى القاع وترفع معها الإحباط في البيئة الحكومية. ولابد أن تسعى الحكومات إلى تحقيق الإبداع والابتكار بأن تعي أهمية تحوّل مؤسساتها إلى مؤسسات منتجة للمعرفة وباحثة ومتعلمة، لأن هذا التحول هو الوسيلة الوحيدة التي يمكن من خلالها مواجهة التحديات والمتغيرات العالمية في مجال العمل المؤسساتي الحكومي.
إنّ تكنولوجيا المعلومات أصبحت في عصرنا الحالي أحد الممكنات الرئيسة التي تساهم في تمكين الحكومات ومؤسساتها من تحقيق الإبداع وزيادة قدراتها التنافسية، خصوصاً أن التطورات التكنولوجية المتسارعة والمفاهيم الحديثة مثل (البيانات المفتوحة والبيانات الضخمة وأسلوب الجيميفيكيشن والحوسبة السحابية) تؤثر بشكل كبير على شكل السياق أو الإطار العام الذي تعمل فيه الحكومات. ودعونا نكون منصفين فالوزراء كانوا مديرين ناجحين ضمن بيئات تحفز على الإبداع والابتكار فلا نُشكك في قدراتهم بل هم يحتاجون إلى تحرر في الإبداع والابتكار من خلال إعادة النظر في القوانين والأدلة الحكومية.
حقيقة تستثمر المنشآت أكثر من ثلث مداخيلها بدون أن تقيس بشكل دقيق عائدات هذا الاستثمار في مواردها البشرية! فالموارد البشرية إذا لم تُستثمر بشكل جيد تتحول إلى عبء وتكلفة اقتصادية على المنشآت، بل لقد أصبحت الموارد البشرية مفهوم لا يخدم قطاعات الأعمال، ودائماً ما يتحدث أصحاب الأعمال ومديرو الموارد البشرية عن «رأس المال البشري» ويدّعون أنّ الموظفّين هم رأسمالنا الأكبر، لكنّهم لا يديرون موظفيهم – العملاء الداخليين – وكأنّهم أصول حقيقية، فهم يعتبرون الموظّفين كلفة تشغيلية يجب التحكّم بها وليس أصولاً قادرة على توليد قيمة قابلة للقياس، ولا يهتمّ أيّ جزء في الشركة، بما في ذلك قسم الموارد البشرية، بـ “رأس المال البشري” بصورة متكاملة.
وهناك علاقة قوية بين رأس المال البشري والنمو الاقتصادي حيث أن له تأثير قوي على النمو الاقتصادي وذلك من خلال تطويره للاقتصاد عن طريق تطبيق المعرفة والمهارات التي يملكها الأفراد في مختلف جوانب الاقتصاد، ويشير رأس المال البشري إلى المعارف والمهارات والدوافع التي يمتلكها الأفراد والتي توفر قيمة اقتصادية فعالة، فعند الحديث عن رأس المال البشري يجب الادراك أن مستوى المهارة أو المعرفة يختلف بين شخص وأخر وأنه من الممكن تحسين جودة العمل من خلال الاستثمار في تعليم الناس ليتحول إلى رأس مال معرفي.
إن النمو الاقتصادي هو زيادة في قدرة الاقتصاد على إنتاج السلع والخدمات مقارنة بالفترات الماضية، ويمكن قياسه عن طريق قياس نسبة الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للدولة فعلى سبيل المثال، ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 1.5% يعني أن الدولة تشهد نمواً اقتصاديا وارتفاعاً في قيمة جميع السلع والخدمات، إذاً هناك علاقة مباشرة بين رأس المال البشري والنمو الاقتصادي.
ويمكن قياس هذه العلاقة عن طريق الإطلاع على نسبة الاستثمار في تعليم الناس، لذلك كان الاهتمام بالتعليم العالي من خلال تطوير استراتيجيته ومخرجاته والبعثات والعمل على اللوائح بسبب ادراك الدولة جيداً أن المعرفة التي يكتسبها الناس من خلال التعليم تساعد على تطوير الاقتصاد وتؤدي إلى النمو الاقتصادي.
لقد تصدرت “النرويج” ترتيب مؤشر تطور رأس المال البشري لعام 2017 الصادر عن “المنتدى الاقتصادي العالمي”، وجاءت “فنلندا” في المرتبة الثانية ضمن قائمة المؤشر الذي صنف 130 دولة حول العالم، تلتها “سويسرا” في المرتبة الثالثة ثم “الولايات المتحدة” في المركز الرابع.
وصنف المؤشر الدول وفقاً لأربعة معايير رئيسية لتنمية رأس المال البشري تتمثل في: معيار القدرة والذي يقيس الرصيد المعرفي الحالي، ومعيار انتشار المعرفة ويخص تطبيق المهارات وتراكمها عبر العمل، معيار التنمية ويقصد به تنمية المهارات الحالية للقوة العاملة ومعيار المعرفة ويقيس مدى توسع وعمق استخدام المهارات. اما ما يتعلق بالدول العربية، فجاءت الإمارات الأولى عربيا واحتلت المرتبة الـ45 عالمياً، تلتها “البحرين” في المرتبة الثانية عربيا والـ47 عالمياً، بينما جاءت “السعودية” في المركز الـ 82 عالمياً والرابعة عربياً.
وهنا أشدد على أهمية نظام الحوكمة في المنشآت والاهتمام برأس المال البشري بإعتباره رأس مال وطني وقيمة مهمة مضافة شرط الإحتكام إلى المعيارية والتناسب، فالموارد البشرية النوعية والمتميزة هي مخزون وطني مهم جداً، فالعنصر البشري هو من ينفذ ويباشر العمل ويتماس وجهاً لوجه مع المواطنين، وهو الذي يواجه المشكلات والمعوقات، وهو الذي يمتلك الفرصة ليُراكم الخبرات.
وحين تهتم المنشآت بهذا العنصر فإنها تحقق ربحية عالية وتمتلك أدوات التطوير والتعديل والتغيير، يقول الفريد مارشال عن الاقتصاد إنه «يظل قيمة محدودة إن لم تستغل في تطوير القوى البشرية التي تحوّل الثروات من مجرد كميات نوعية إلى طاقات تكنولوجية متنوعة تحقق التقدم المنشود».
وبين الحوكمة ورأس المال البشري علاقة طردية، فكلما زادت حوكمة المنشأة، نما رأس المال البشري وزاد معدّل الاستثمار فيه، وحيث تعمل الحوكمة من خلال مبادئها على بناء الثقة بين المنظمات والمواطنين، فإن الاستثمار في رأس المال البشري يعزز هذه الثقة ويجذرها، لأنّ الناتج يتماس مع المواطن ومصالحه مباشرة.
مع الأسف يردد الكثيرون من المسئولين مصطلح الاستثمار في رأس المال البشري، بينما ممارساتهم تناقضه تماماً! فلا تجد برامج تدريب مدروسة، ولا تمكين بتفويض الصلاحيات، ولا معايير للترقيات ولا معايير لاختيار القادة، مما يجعل هذه المنظمات فقيرة وهزيلة، وغير قادرة على إحداث التقدم وتحقيق طموحات الدولة.
واقتصاديا فدائماً عليك حماية افضل ما لديك ضد التضخم، فإذا كنت تملك مهارات تقنية عالية مع مستوى معرفة عالي فإن ذلك يخولك دائماً للحصول على أجر عادل مقارنة بغيرك وحتى إذا كان الاقتصاد الذي تعمل فيه في حالة تضخم إذا كنت قد تعلمت عن رأس المال البشري في كلية إدارة الأعمال ربما تم تعريفه من وجهة نظر صاحب العمل.
ولكن ماذا عن من وجهة نظر المستثمر الفردي؟ للمستثمر الفردي، رأس المال البشري هو القيمة الحالية لجميع الأجور في المستقبل، أي شيء تقوم به لزيادة قدرتك على كسب أجور عالية في المستقبل هو بمثابة استثمار في رأس المال البشري الخاص بك، فالإستثمارات المالية التي تقوم بها في وقت مبكر من حياتك، مثل الحصول على التعليم العالي، التدريب، وتعلم مهارات اجتماعية أفضل يمكن أن تكون حافز رئيسي لرأس المال البشري الخاص بك.
إن رأس المال البشري هو عبارة عن نوعية العمل وهو إحدى عوامل الإنتاج الأربعة، فهو ليس مسألة كمية العمل ولكنه عبارة عن المهارات التي يمكن أن يحققها العامل وبالتالي هو طريقة أخرى لزيادة الانتاج، وتحسين رأس المال البشري باستمرار أمر حيوي للنمو الاقتصادي لذلك نلاحظ أن جزء كبير من إزدهار الصين المستمر مشتق من قبل الطبقة الوسطى الناشئة التي تعطي أهمية كبيرة للتعليم كما هو الحال بالنسبة للهند، وهذا يبرهن العلاقة الوطيدة بين تعزيز الرأس المال البشري والاقتصاد.
لذلك عند البحث في طرق جديدة لتعزيز الاقتصاد وتعظيم المحتوى المحلي ورفع الناتج الإجمالي لا يجب إهمال الرأس مال البشري الذي يشكل عامل مهم وفعال في تحسين الاقتصاد وتوطين المعرفه. ومن جانب آخر فمعرفة وفهم العلاقة بين التعليم والاقتصاد يساعدنا في فهم السبب وراء نجاح بعد الشركات وفشل شركات أخرى، هل تسائلنا يوماً لماذا معظم العاملين الذين يملكون شهادات جامعية يتقاضون دخلاً أكبر بكثير من هؤلاء الذين لا يملكون شهادة جامعية؟ هل تسائلنا ما إذا كان هناك علاقة بين مستوى تعليم الفرد ومعدل الدخل؟
علينا العمل على صناعة اقتصاد تشاركي (اقتصاد المشاركة أو الاقتصاد التعاوني) “Sharing Economy” فهوّ نظام اقتصادي (ذو طابع اجتماعي) مستدام يقوم على مشاركة الأصول البشرية والمادية، ويشمل عدة مفاهيم كالإبداع والإنتاج والتوزيع والإتجار والاستهلاك التشاركي للبضائع والخدمات والمهارات بين مختلف الأفراد والمنشأت التجارية، وله العديد من الأشكال إلا أنه يعمل في مجمله على تعزيز تقنية المعلومات من أجل تزويد الأفراد والمؤسسات الحكومية وغير الربحية بالمعلومات التي تساعد في توزيع البضائع والخدمات ومشاركتها وإعادة استغلال الطاقات المهدرة والفائضة وتوفير فرص العمل ويرى أن الإستثمار في رأس المال البشري هو أساس التنمية.
أخيراً علينا العمل جدياً لتحويل الوزارت والهيئات والمنشآت من مفهوم الموارد البشرية التقليدية و “التعقيب” و “ادارة العلاقات الحكومية” إلى المفهوم الأهم “استثمار رأس المال البشري” من أجل بناء القدرات القطاعية والمؤسسية والإمكانات المطلوبة لتحقيق الأهداف الطموحة لرؤية المملكة العربية السعودية 2030 وموائمة مخرجاتهم مع معايير التنمية والإستدامة، علينا الخروج من تلك الدائرة المغلقة التي ندور فيها منذ سنوات فالتعامل مع رأس البشري لا يعي ألوان نطاقات ولا الفاتورة المجمعه بل يحتاج لخلق استثمار بشري قطاعي يراعي التغيرات الهيكلية وتغيرات المرحلة .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال