الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ركزت الامارات العربية المتحدة على جذب السياح عبر سياحة التسوق والترفيه التي ترتبط بالحياة المدنية وحققت إنجازات كثيرة في هذا المجال. اتخذت سلطنة عمان منحى آخر باستثمارها في طبيعتها الكبر واستغلت التنوع الجغرافي والتاريخي والثقافي التي تمتاز به في استقطاب فئة معينة من السياح تعشق هذا النمط الجديد. في 2016، تجاوز عدد السياح في السلطنة سقف المليوني سائح، أغلبهم من الإمارات ودول الخليج العربي، وبعدها بعام احتلت السلطنة المرتبة الثامنة عالميًا، والأولى عربيًا ضمن قائمة أهم الوجهات السياحية العشر لسنة 2017، بحسب تقرير لونلي بلانت (Lonely Planet)، أكبر مرجع ودليل عالمي للسفر.
قد يجهل الكثيرون تعطش سياح الغرب ودول شرق آسيا وشوقهم لاستكشاف منطقة الشرق الأوسط، بالأخص مملكتنا الحبيبة، يتخيلونها كما يروج له إعلامهم، صحاري قاحلة وقوافل، جمال على الكثبان الرملية وشواطئ بكر، إنها في مخيلتهم عالم غريب يأسر الألباب، كأساطير ألف ليلة وليلة. فيغلبهم الشوق للمشي على رمال النفود وعبور صحراء الربع الخالي على ظهر الجمال والغوص في مياه البحر الأحمر بين الشعب المرجانية.
لنبتعد عن السياحة بمفهومها التقليدي ولنتحدث عن سياحة العصر، السياحة البيئية (ecotourism)، أحد أكثر أنماط السياحة العالمية شيوعًا، وأسرعها نموًا، إذ تشهد إقبالًا متزايدًا بين السعوديين والمقيمين في السنين الأخيرة. فالسياحة البيئية خلافا لأختها التقليدية، هدفها الأساسي هو إعادة ربط صلة الوصل بين الإنسان والطبيعة الأم، والابتعاد عن حياة المدينة الصاخبة، عبر أنشطة متعددة كالمشي الخلوي بين أحضان الصحراء والتخييم والاستجمام في البراري الرحبة.
تحول هذا النمط إلى ظاهرة في عدد من الدول الصناعية بل والنامية، ففي كوريا الجنوبية على سبيل المثال، يمارس واحد من كل ثلاثة أشخاص سياحة المشي في المنتزهات الطبيعية مرة واحدة على الأقل كل شهر بحسب تقرير الواشنطن بوست في يوليو 2014، وحجتهم في فوائدها الجمة على نفسية المرء وصحته، إذ تخلق شعورا بالراحة ينعكس ايجابا على حياة الإنسان. والأهم إيضا أنها لا تتطلب الكثير من الخدمات أو بنية تحتية هائلة، فمجرد توفر وعي بيئي لدى السياح، وجهة رقابية مشرفة، كفيل بإنجاحها.
بسبب كثافة الإقبال والممارسة، تحولت السياحة البيئية إلى رافد اقتصادي ومصدر رئيسي للدخل لدى العديد من الدول مثل النيبال وكينيا، حيث يتوافد السياح على الأولى لتسلق قمة إيفيريست وعلى الأخيرة للاستمتاع برحلات السفاري في محمياتها الطبيعية.
ماذا عن المحميات الطبيعية في المملكة؟
تتميز المحميات الطبيعية في المملكة والتي يزيد عددها عن الـ 14 محمية، قبل صدور القرار الأخير، بغطاء نباتي كثيف لم تصلها أيدي العابثين وبتكوينات صخرية غريبة تغري الزائرين. على الرغم من أن هذا المحميات قد أنشئت بهدف الحفاظ على الحياة الفطرية وحماية فصائل نادرة من الحيوانات كالنمر العربي والوعول البرية التي شارفت على الانقراض بسبب الصيد الجائر إلا أنها تشكل وسطا ملائماً لنشر الوعي البيئي والتنويه بأهمية الحفاظ على الحياة الفطرية والاستجمام لمحبي السياحة البيئية ورافد سياحي مهم إن تم استثماره على الوجه الأمثل.
بحسب إحصائيات إدارة الخدمات للمنتزهات الوطنية الأمريكية، تجاوز عدد الزوار للمحميات الـ 59 في أمريكا عتبة الـ 331 مليون شخص في 2017، أنفقوا فيها ما يقارب الـ 18 بليون دولار ساهمت بتوظيف ما يقارب الـ 306 ألف شخص. تقوم هذه المحميات بإلزام الزوار بدفع رسوم للدخول، يذهب ريعها للدولة ولتطوير وصيانة المنتزهات وتنفيذ برامج بيئية وتوظيف القائمين عليها.
لقي قرار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله ورعاه بتأسيس “مجلس المحميات الملكية” في 18 رمضان 1439ه برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز الكثير من التأييد من محبي وداعمي السياحة في المملكة والذي من شأنه الارتقاء بالقطاع السياحي خصوصًا البيئي منه وتطويره.
يناط إلى هذا المجلس إدارة المحميات السابقة واستحداث أخرى جديدة ذات طبيعة متنوعة منها ما هو صحاري مترامية الأطراف، ومنها غابات جبلية رائعة وأودية وسهول، ومنها ما هو براكين خامدة وكهوف كلسية وسواحل تشرف على كنوز تحت سطح البحر.
وختاماً، فإن استثمار المؤهلات الطبيعية في الميدان السياحي، يفتح الباب واسعاً أمام المملكة لدخول نادي الدول السياحية في المنطقة، في انتظار تصنيفها ضمن الوجهات العالمية العشر الأكثر جذبا لعشاق السياحة البيئية في تقييم لونلي بلانت في السنين القادمة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال