الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
العمل الخيري والتطوعي والأوقاف قطاع ضخم جدا قائم بذاته ، ويقدممعـظم الأعمال والمهام التي تقدمها الحكومة والقطاع الخاص معا . يدير ذلك القطاع مئات المليارات من الريالات سنويا ، ويخدم ملايين المستفيدين ، ويؤثر في الاقتصاد والعمل والتعليم والصحة والأمن وكل جوانب الحياة العامة .
تتناثر إدارة هذا القطاع الكبير والمهم والمتشابه في كل خدماته بين عدة جهات ، فالجزء الأكبر من القطاع يقع تحت مظلة وزارة العمل والتنمية الاجتماعية ، والأوقاف تديره الهيئة العامة للأوقاف التي تم تأسيسها عام 2016 ، كما أن بعض الجهات الحكومية والخاصة تشرف على مجالات أخرى في القطاعين الخيري والتطوعي كوزارة الشؤون الإسلامية والدعوة وغيرها .
يعاني قطاع العمل الخيري والتطوعي من وجوده تحت مظلة وزارة العمل ،التي لديها من المشاكل والهموم والصداع ما يشغلها عن هذا الجانب الكبير وكثير المهام والمشاكل أيضا ؛ فسوق العمل وكل ما يتعلق به من مشاكل يستأثر بكامل اهتمام الوزارة ، ومسؤوليها . وهو المقياس الوحيد لتقييم أداءها على المستوى الشعبي وربما على مستويات اخرى ، فضلا عن إنشغالها بكثير من المهام الأخرى .
لذلك وجود العمل الخيري والتطوعي تحت مظلة وزارة العمل أفقده الاهتمام الذي يستحقه لدى الصف الأول في الوزارة على مستوى التخطيط والتنفيذ والمتابعة ، ويظهر ذلك جليا في أداء القطاع المتواضع رغم الدعم المالي والمعنوي على المستويين الرسمي والأهلي .
أما فصل الأوقاف بهيئة مستقلة قائمة بذاتها بعد أن كانت تحت مظلة وزارة الشؤون الإسلامية ، فسيحقق فوائد كبيرة لهذا الجانب من العمل الخيري ، لكن فصل الأوقاف عن الأعمال الخيرية والتطوعية الأخرى أفقد الجانبين الاستفادة من بعضهما على مختلف المستويات .
أعتقد أن إنشاء هيئة عامة للعمل الخيري والتطوعي والأوقاف تحت مسمى (الهيئة العامة للتنمية الاجتماعية والاوقاف) ستكون لها فوائد كبيرة جدا لخدمة ذلك القطاع المهم للمجتمع على كافة المستويات ، من ذلك:
أولا سيكتسب القطاع الاهتمام الذي يستحقه من قبل القيادات الخاصة به ، ويصبح العمل الخيري والتطوعي والأوقاف همها الأول ، وعملها الأساسي . وهذا الهدف كافي لأن تنشأ الهيئة العامة من أجله ، فتحقيقه سوف يحقق الكثير من الأهداف الأخرى ، والقطاع يستحق ذلك الاهتمام . وهنا يجب ان لا ننسى ان العمل الخيري او ما يعرف باسم القطاع الثالث هو احد ركائز رؤية 2030 والتي اولته اهتمام بارز وواضح عبر رفع مساهمته عن المؤشرات الحالية.
تنسيق العمل بين مكونات القطاعين الخيري والتطوعي في المملكة أمر بالغ الأهمية ؛ وذلك التنسيق سوف يعود على القطاع بفوائد كبيرة ؛ على مستوى القطاع بالكامل ، وعلى مستوى المكونات منفصلة ، وعلى مستوى وحدات كل مكون بمفردها . وذلك التنسيق يكاد يكون مفقودا تماما في القطاع الخيري ، والجهود الفردية هي الطاغية عليه ، ويغيب العمل المؤسسي التكاملي بين الوحدات بأعدادها المهولة .
فآلاف الجمعيات الخيرية والتطوعية والأوقاف تتقاطع فيما بينها مكانا أو زمانا أو مهاما ، ولا يوجد بينها أدنى درجات التنسيق ؛ من ذلك أن تمتلك بعض الجمعيات عوائد مالية كبيرة تفوق الخدمات التي تقدمها وعدد المستفيدين الذين تخدمهم ، في حين أن أخرى في مكان أخر تخدم عدد من المستفيدين يفوق قدرتها المالية والبشرية ، ولو كان العمل الخيري والتطوعي منسقا بما يكفي لكانت كفاءة عمل كل جمعية أكبر بكثير من حجمها الفعلي ؛ لأنها تعمل بحجم القطاع كاملا وليس بحجمها الفعلي .
وذلك التنسيق من الصعب حدوثه والمؤسسات الخيرية والتطوعية والأوقاف متناثرة تحت مظلات مختلفة ، ضمن مؤسسات حكومية ضخمة كثيرة المهام ومتشعبة ، أو تحت إدارة مؤسسات خاصة منفصلة تماما عن العمل الجماعي .
الجانب الأهم الذي سينتج عن تكوين تلك الهيئة سيحقق أعلى درجات التخطيط والتنسيق والرقابة لكامل القطاع الخيري والتطوعي . فالفوضى التي يعيشها القطاع في تلك الجوانب كبيرة وواضحة ، والاجتهادات غير المدروسة يراها المتابع عن بعد وليس الباحث المدقق .
والرقابة على المستويين المالي والإداري رغم ما تم فيها من أنظمة وقرارات ومتابعة مازالت أقل مما يجب، والعبث الخيري ، والفساد على كافة مستوياته ظاهر للعيان . فمدير الجمعية الخيرية الذي يرفض الإعلان عن حساب الجمعية الرسمي للمتبرعين ماذا يريد ؟؟ لن أسرد هنا قصص وأحاديث الناس عن ما يشاع انه يضرب القطاع الخيري ، فما تحدث به بعض العاملين في القطاع عن ذلك الجانب في مختلف وسائل الإعلام فيه الكفاية . بل إن أثر الجمعيات الخيرية في الحياة العامة أقل مما يفترض أن تكون عليه مقارنة بما ينفق عليها سواء من التبرعات أو الاستثمارات وحتي الأوقاف .
ذلك في جانب الجمعيات والمؤسسات الخيرية ، والوضع في جانب الجمعيات والجماعات التطوعية أكثر فوضى وضياع . يكفي أن نرى جمعيات وجماعات تطوعية تظهر من المجهول وتعود له في أشهر قليلة ، وإن كانت محظوظة استمرت سنوات قليلة . والأسوأ في هذا القطاع أنه قائم على العمل الشخصي المرتبط بشخص منشئ الجماعة ، وجودة أداء تلك الجماعة أو الجمعية مرتبط بذلك الشخص ، بل إن استمرارها مرهون باستمرار شخص المؤسس فعليا أو عمليا .
والعمل المؤسسي في العمل التطوعي محدود جدا عدا ما تشرف عليه مؤسسات حكومية كالدفاع المدني والصحة . وفي العمل التطوعي من المظاهر الشكلية ما يضعف أداءه بصورة مباشرة وقوية ، بل ربما استغلت بعض تلك الجماعات في أغراض خاصة لشخص مؤسسها وأعضائها؛ كتسويق ذلك الشخص على أنه ناشط اجتماعي في العمل التطوعي والخيري وما يتبع ذلك من مكاسب اجتماعية وغيرها .
أما العائد الأكبر من تكوين الهيئة فيتمثل في الاستفادة من اقتصاديات الحجم التي ستنتج عن أعادة هيكلته وتنظيمه وتنسيق عمل القطاع ، وتجميع الهياكل الصغيرة المتناثرة على مساحة الوطن ، لتكوين مؤسسات ضخمة تخدم مختلف المجالات الخيرية والتطوعية التي يحتاجها المجتمع .
وسوف يكون لذلك الحجم الضخم عوائد على جودة الإدارة وكفاءتها وما يتبعها من تخطيط وتنظيم ، كما ستكون رافدا كبيرا لسوق العمل ، بما ستنتجه تلك المؤسسات الكبيرة من وظائف في مختلف التخصصات، وفي الحد الأدنى أن تقدم وظائف تخدم فئات المستفيدين من خدمات القطاع التي يشغل معظمها العمالة الوافدة لتدني أجورها .
ولتحقيق الاستفادة القصوى من اقتصاديات الحجم لذلك القطاع يفضل أن يتم إنشاء صندوق سيادي استثماري تابع للهيئة يدير الجانب الاستثماري ، لتحقيق أقصى عوائد ممكنة من الأموال الهائلة التي يمتلكها القطاع في مختلف مؤسساته .
أتمنى أن نرى الهيئة العامة للتنمية الاجتماعية والأوقاف قريبا ، وأن يتكون مجلس إدارتها من الجهات الحكومية والخاصة ذات العلاقة لمزيد من التنسيق والشفافية .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال