الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أن الشركات العائلية تلعب دوراً رئيسياً في دعم الاقتصاد الوطني، وذلك منذ وقت مبكر في عهد المؤسس الملك عبدالعزيز التي ظلت تمارس دورها المهم بصورة متنامية في اقتصادنا الوطني، يصل حجم استثمارات الشركات العائلية بالسعودية إلى 250 مليار ريال (66.6 مليار دولار)، وتتراوح حصتها في الناتج المحلي الإجمالي بين 22 و 30 %، فيما لا تزال 5.3 مليار دولار معطلة بسبب نزاعات في المحاكم، حصة الشركات العائلية تمثل 12 % من الدخل القومي ونحو 85 % من الدخل غير النفطي، في حين أن 45 شركة عائلية تصنف ضمن أكبر 100 شركة بالمملكة.
بينما فاقت استثمارات أكبر 49 شركة عائلية على مستوى الشرق الاوسط 333 مليار دولار، ويعمل فيها 269 ألف موظف، وهو من أعلى المعدلات في المنطقة، وتشكل هذه الشركات 48 ٪، من إجمالي الشركات العائلية في الشرق الأوسط، وتتركز فيها 62 %، من ثروات القطاع الخاص السعودي.ويعمل معظمها في المقاولات والتجزئة والشؤون المصرفية. وهنا لابد من الاشارة الى ان 3 من هذه الشركات موجودة في المملكة من ضمن أكبر 500 شركة حول العالم، من الملاحظ تراجع في أداء بعض الشركات العائلية السعودية خلال الفترة الماضية، وتعزو ذلك إلى ضعف روح التأسيس عند غياب المؤسسين، وعدم التوسع في الاستثمار، وتفشي الخلافات وتضارب المصالح والخلط بين البعد العائلي والبعد الاستثماري، إضافة إلى غياب الإفصاح والشفافية وعدم تطبيق قواعد الحوكمة.
هناك تحديات عديدة تتمثل في زيادة وقوة المنافسة العالمية، وتحديات في تبني معايير الحوكمة، إضافة إلى تحديات التخطيط وتحليل البيانات، ومن التحديات الرئيسية كذلك التعاقب الوظيفي وتعاقب الأجيال، حيث تشير الدراسات إلى أن 15 % فقط من الشركات العائلية لديها سياسات وإجراءات واضحة في عملية التعاقب الوظيفي. كما أن التحدّي الأكبر يكمن في صعوبات إضفاء الطابع المهني على الشركات العائلية، هناك تحديات أخرى تشمل الأوضاع الاقتصادية الراهنة والتغيرات التشريعية.
ومن المعضلات التي تواجه الشركات العائلية هي إدارة الشركة من فترة الجيل الرابع، فقد يكون المدير الجديد ليس كفؤا للإدارة ولا يمتلك الرؤية ولا الاستراتيجية للتخطيط بشكل سليم للشركة، فامتلاك المال لا يعني بالضرورة أن تكون ماهراً في الإدارة، إضافة إلى أن التعيينات التي يصدرها أفراد الجيل الثاني والثالث لتوظيف أفراد الأسرة في الشركة تؤثر كثيرا في تدني مستوي إدارة الشركة وتؤثر في أنشطتها التجارية بشكل كبير. كما أن الخلافات الأسرية التي تصل في كثير منها إلى المحكمة قد تتسبب في تصفية الشركة، ومن استقراء الواقع واستشراف المستقبل فإن الشركات المتوسطة والصغيرة ستضطر في المرحلة المقبلة إما إلى الإغلاق أو الاندماج، مع تزايد الضغوط عليها لمواجهة المنافسين، والاعتماد على الدعم الحكومي، بعيدًا عن كبر حجم السوق.
ويتعين على تلك الشركات إذا أرادت البقاء والمنافسة في غضون السنوات المقبلة أن تبذل مزيدًا من الجهود بشأن تخطيط الأعمال واستخدام النظم والعمليات المناسبة التي تمنحها نظرة شاملة، وتمكنها من دفع عجلة الابتكار، وزيادة استثماراتها. تظل الشركات العائلية لاعبا رئيسياً في دعم برامج التحول الرقمي والتنويع الاقتصادي وتوليد الوظائف، حيث تشير التوقعات إلى دخول 226 ألف شخص إلى سوق العمل سنويًا حتى عام 2025، وهو ما يعني اعتماد الشركات العائلية على بيئة الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
ان الأنظمة الجديدة التي طرأت على الحوكمة ستعزز استقرار هذه الشركات وتقلل النزاعات، كما ان الشركات العائلية تحتاج إلى هيئة خاصة بها، تعالج التحديات التي تواجهها من حيث الحوكمة والشفافية والتقنية، مع أفراد قسم قضائي خاص بها لفض النزاعات الواقعة والمحتملة حتى لا ينهار هذا القطاع. ان هذا القطاع على أهميته في الاقتصاد الوطني وتعزيز برامج التحول والتوطين، يحتاج أيضاً إلى توفير الدعم المالي له أيضاً بشكل ميسّر لتعزيز الصادرات غير النفطية التي نمت بنسبة 63 %، وبالتالي الإسهام في تحجيم التحديات التي يفرزها عدم استقرار الطاقة في السوق العالمية.
إن تحويل هذه الشركات العائلية إلى شركات مساهمة يعني تحويل الملكية من نظام الحصة إلى نظام السهم، وهو ما يمكن السهم من الانتقال بين الملاك بشكل نظامي، وعليه فإن الشركة لن تتوقف على أحد في حال وفاته بشكل مفاجئ، من الفوائد التي قد تتمتع بها الشركات العائلية إذا تم تحويلها إلى مساهمة هي حصولها على حد أدنى من الرقابة، عبر تطبيقها لأسس معينة للحوكمة، فسيكون أمام ملاكها الجمعيات العمومية للتصويت على بنودها. ان توجه “وزارة التجارة والصناعة” نحو دعوة الشركات العائلية إلى التحول لشركات مساهمة مغلقة، وليس بالضرورة أن تكون شركات مساهمة عامة، هو توجه “إيجابي” إذ أن الهدف من ذلك الحفاظ على استمرارها، لأن الشركات العائلية حينما تتحول لشركات مساهمة مغلقة فإنَّ شكلها القانوني يضمن بقاءها مدة أطول.
أصدرت وزارة التجارة والاستثمار مؤخراً الميثاق الاسترشادي للشركات العائلية السعودية الذي يمثل وثيقة عائلية ذات غرض تجاري موجهة في المقام الأول لتنظيم الملكية العائلية في الشركة، وبحسب وزارة التجارة فالميثاق يهدف لتعزيز قيم العائلة التجارية، وتحقيق أهداف الشركات وتنمية أعمالها وفق إطار مؤسسي يدعم إمكانية توسعها وزيادة فرص نجاحها. كما ينظم الميثاق العلاقات بين أفراد العائلة، ويشتمل على وصايا ورغبات المؤسسين، وينظم انتقال الملكية بين أفراد العائلة في الشركات العائلية ومعايير توظيف أفراد العائلة في الشركة، ويحدد ضوابط حل الخلافات التي قد تواجهها، ويهدف الميثاق إلى تعظيم قيمة الشركة وتنمية أعمالها، وتوعية أعضاء العائلة بحقوقهم والتزاماتهم، وإقامة توازن بين مصالح أعضاء العائلة ومصالح الشركة، وتدعيم ترابط أعضاء العائلة بما يحقق لها التطور والنجاح، وجعل الشركة قاعدة لمساهمة دائمة للعائلة في خدمة الاقتصاد الوطني والمجتمع، وتشجيع استقلال مؤسسات الشركة وفريقها التنفيذي عن العائلة، وتعزيز الشفافية والوضوح في علاقات أعضاء العائلة.
وتتمثل أهم ملامح الميثاق في: تنظيم عمل أعضاء العائلة في الجهاز التنفيذي للشركة العائلية، وبيان سياسة توزيع الأرباح في الشركة العائلية، ورسم آليات لتصرف المساهم في الأسهم وتخارج المساهمين من الشركة العائلية، لتلافي أي نزاع أو شقاق بين أعضاء العائلة، ولطمأنة العائلة التجارية باستبقاء ملكية شركتها. وتستهدف آلية إعداد الميثاق وضع تنظيم مؤسسي مكتوب وخلق وعي وتفاهم منهجي مشترك بين أعضاء العائلة حول طريقة إدارة ملكيتهم التجارية في الحاضر والمستقبل. كما قد يرتب وضعاً تنظيمياً محفزاً لدخول مستثمرين من خارج العائلة في الشركة إذا ما روعي في إعداده إيجاد إطار مؤسسي فعال يراعى حفظ حقوق الأقلية في الشركة. وحرصت الوزارة على استقصاء المشكلات التي يمكن أن تؤدي إلى ضعف الشركات، وضياع مقدراتها ومكتسباتها المادية والمعنوية. واهتمت بمراجعة عدد من التجارب الدولية والدراسات المتخصصة للاستفادة منها ورغبة في الوصول إلى نموذج يلبي احتياجات مجتمع الشركات العائلية السعودية، ويفتح آفاقاً لتطبيق آليات الحوكمة فيها.
ان الشركات العائلية بالمملكة تواجه تحديات كثيرة بدءاً من تحدي البقاء، ومواجهة المنافسة الشرسة من الشركات العالمية، والتكتلات الاقتصادية، وإلزامية تطبيق الحوكمة، إضافة إلى “تطورات التقنية وثورة المعلومات والمتغيرات المتسارعة” التي قد تفوق قدرة الشركات العائلية على مجاراتها، أن الشركات العائلية عندما يكون ملاكها الحقيقون على قيد الحياة تكون من أفضل الشركات، ولكن عندما يرحلون، ويديرها الجيل الثاني من العائلات، يحدث الخلل، وربما لا يستطيع هذا الجيل إدارة الشركة لأنه لا يملك الكفاءة اللازمة لاستكمال الخطط الموضوعة، وهو ما يؤدي إلى نهاية هذه الشركات، غالباً ما تكون هذه الشركات تحت الخطر، فيمكن أن تنخفض طموحات أي صاحب عمل بسبب المرض أو الظروف غير المتوقعة، كما أن الوفاة المفاجئة أو عجز المالك يمكن بسهولة أن يدمر الشركات العائلية، وعادة ما تواجه الشركات العائلية تحديات ملحة في ما يخص توفير التمويل اللازم للنمو، مع الأخذ بالاعتبار احتياج بعض أفراد العائلة لتوزيعات الأرباح لاعتبارات شخصية، مما يحد من إمكانية إعادة استثمار هذه الأرباح لتمويل الخطط التوسعية للشركة.
ان أكثر من 60% من الشركات العائلية السعودية لا تستمر إلى الجيل الثاني من العائلات، كما أن 90% منها لا يستمر للجيل الثالث بسبب خلافات بين الورثة، ويبلغ متوسط عمر الشركات العائلية نحو 24 عاماً فقط، كما أن 25% منها لا تملك رؤية واضحة للسنوات الخمس القادمة، أن الدراسات العالمية تشير إلى أن ما يقرب من 33% من الشركات العائلية تصل إلى الجيل الثاني، و10% تصل إلى الثالث، فيما يصل 4% فقط إلى الجيل الرابع، ما يعني استحالة بقاء العدد الأكبر من الشركات العائلية بعد رحيل الجيل الثاني.
ولتحقق الشركات العائلية الإستدامة عليها أن تراعي جوانب مهمة فتلك الشركات تنمو عبر تعاقب الأجيال وتتغير وتتكيف مع المتغيرات، فمع تقدم المدراء التنفيذيين في العمر يكون لديهم الرغبة في الابتعاد عن الإدارة اليومية للشركة، لذلك ينبغي أن يكون هناك استعداد لتعيين أجيال جديدة، يجب أن يكون هناك مستوى من التغيير الجذري في الشركة مع كل قيادة جديدة، فيمكن أن يساعد ذلك في جلب خبرة مختلفة وتجديد الاستراتيجيات، إضافة إلى تحقيق النمو والربحية في المستقبل.
الشركات العائلية الناجحة أكثر بكثير من مجرد كيان تجاري، فهي جزء من المجتمع والدولة، فهناك عدد من الطرق التي يمكن أن تفيد بها مثل هذه الشركات المجتمع مثل تقديم الأفكار المبتكرة، فجلب العلامات التجارية المعروفة التي تقدم المنتجات أو الخدمات التي يحتاجها المجتمع كثيرًا، يفيد الشركة والمجتمع كله، سواء على مستوى النقل أو التجارة أو التكنولوجيا، فأي خطوة صحيحة في أي من هذه القطاعات يمثل تأثيرًا إيجابيًا مباشرًا على الاقتصاد والدولة كلها، ويؤدي تقديم منتجات وأنظمة جديدة إلى نتائج مربحة، فالمستهلكون على استعداد لدفع مبلغ زائد عن السعر العادي، في مقابل الحصول على سلع غير متوافرة في أي مكان آخر.
ينبغي أن يكون كل فرد من أفراد العائلة في الشركة على استعداد لتقديم التضحيات على مستوى حياته الشخصية وموارده المالية، فالشركات التي تشهد نموًا أفضل هي التي يقدم أصحابها تضحيات شخصية، تضحية كل فرد ببعض الموارد المالية على المدى القصير يسمح بإعادة الاستثمار في الشركة، مما يساعد على الازدهار على المدى الطويل، فالحفاظ على جزء من رأس المال، واستخدامه في الاستثمار، سوف يوفر للشركة فرصة تطوير الشركة باستمرار، ودعمها في مواجهة عدم الاستقرار، قد يمثل ذلك تحديًا للشركات العائلية، خاصة إذا كان أفراد العائلة يأخذون أموالاً من الشركة لأغراض شخصية، ولا يضعف هذا الأمر المؤسسة فحسب، لكنه يمكن أن يولد العديد من المشاعر السلبية بين الأفراد، ويؤثر على الشركة.
يساعد توسع الشركة ودخولها مجالات جديدة لم تدخلها من قبل على حماية الأموال والأرباح بشكل أفضل في اوقات الانكماش الاقتصادي، وفي سبيل ذلك تحتاج الشركات العائلية إلى تنويع محفظتها، كعنصر أساسي في استراتيجية الشركة على المدى الطويل، وينبغي أن تظل الشركة مواكبة للتغييرات التي تحدث من حولها باستمرار، فمن الضروري أن تفهم الصناعات الناشئة والمتناقصة، وإذا بدأ قطاع ما يختفي فيجب أن تكون الشركة مستعدة لتقديم شيء جديد إلى السوق، ورغم أنه ليس بإمكان أحد التنبؤ بما يمكن حدوثه، إلا أن من المفيد للشركة أن يكون لديها معلومات عن معدلات نمو القطاعات المختلفة في المنطقة، الولاء هو أساس أي شركة عائلية، ولا يتعلق الأمر بأفراد العائلة فحسب، بل بكل موظفي الشركة، فاحترام وتقدير الموظفين المخلصين وتقديم المكافآت لهم أمر ضروري، لأنه سيعود بالنفع على الشركة.
الخصائص التي ذُكرت سابقًا ليست موجودة في كل شركة عائلية، لكن يمكن تنفيذها بالتدريج عبر الزمن، لذلك ينبغي على المدراء التنفيذيين وضع خطة رئيسية لمستقبل الشركة، حتى يمكنها الاستمرار لسنوات طويلة قادمة، والتساؤل المهم هوّ كيف يمكن لتلك العلاقات أن تتأثر باستراتيجية العاطفة في ظل شركة عائلية تجمع تلك الأنواع المتناقضة من العلاقات التي تتبدل بتغير المرحلة الزمنية التي تنتسب إليها، في المرحلة الأولى يكون للأم الأثر البارز في تقوية التلاحم بين الأبناء والتغلب على مشاعر الإختلاف والغيرة التي قد تنشأ بينهم بسبب المواقف اليومية التي يتعرضون لها في الشركة، وفي مرحلة الإندماج يستمر دور الأم والأب وكذلك دور الجدة، الذين يتحولون إلى مركز العاطفة التي يلجأ إليها الأبناء للتشكي وهي بدورها تعمل على حل هذه المشاكل وتقوية وشد أواصر القرابة والعاطفة والحب.
أما في مرحلة التفرعات وعند فقدان الأهل أو الجد والجدة، تقوم العمة أو الخالة أو الشخصية المؤثرة في العائلة او من نسميه الـ CEO ولكنه ليس الـ Chief Executive Officer بل من نطلق عليه Chief Emotional Officer بدور مقوي التلاحم، وأخيراً مرحلة التوسع فتعتبر مرحلة خطيرة لأن التصرفات هنا لا تتأثر بالإرشاد والتوعية من أشخاص يتمتعون بمنزلتهم الاجتماعية في ترتيب العائلة، إنما يتأثرون بما في شخصيتهم من قيم تربوية رسخت فيهم التزامات تجاه إيديولوجيات ومعتقدات، يختفي في هذه المرحلة دور الوالدين والأقارب وتبقى القيم والمعتقدات التي تعمل على تقوية صلات القرابة والرحم، ويتضح في المراحل الأربعة أن هناك دوراً لقوى ضاغطة تعمل على دوام التلاحم العائلي وقد يتجلى هذا الدور بتشكيلات من الاصطفاف داخل العائلة والشركة، وتنشأ حدود انضباطية مما يدل على أن تلك الأعمال العقلانية تحفزها القيم، والعادات، والانفعالية، أو التمثل الواضح للأهداف المبتغاة.
تعمل القيم العائلية على ضبط إيقاع التصرفات والسلوك، وتعيش هذه العلاقات أطواراً تتسم بالحدة والتوتر أحياناً، وبالإشباع أو الحرمان أحياناً أخرى، وتتخذ نظرية الإشباع العاطفي صورة إعلاء قيمة الذات وحفظها، بناءً على الاحترام والصدق والمحبة والتعاون، ولا يمكن أن نتجاهل دور المعتقدات لما لها من تأثير في حياتنا الاجتماعية وفي تجارتنا وأعمالنا وحتى علاقاتنا مع الأهل والأقارب، فقد يكون لمعتقد معين هدف في تحقيق المنفعة الاجتماعية، ليس هذا فحسب فإن المعتقدات تؤثر بشكل مباشر على التلاحم بين الفاعلين.
كما أن لها وظيفة رمزية تساهم في تجديد التفاعل، مثل الاعتزاز بتاريخ العائلة وأمجادها، قد تتعارض المشاعر في الشركة العائلية بين أصحاب القرار والشخصيات المؤثرة، ويعتبر هذا الأمر طبيعياً نظراً للتمايز في مستوى الفهم والإدراك بين شخص وآخر، وتبدو استراتيجية العاطفة في المرحلة الأولى أكثر شفافية ووضوحاً، وقد يشوبها قليل من الغموض في المرحلة الثانية، لكننا وكلما ابتعدنا عن الجيل المؤسس، خبت المشاعر العاطفية وبرز دور القيم والمعتقدات بشكل أكبر، أما في مرحلة الجيل الثالث فيبدو لنا أن الموقف لا يشبه سابقاته، إذ تتجلى مواقف تخلو من المحاباة والمسايرة تجاه بعض الايديولوجيات.
ولا بد أن نذكر أن العائلة التي تمتلك شركة ناجحة تمكنت من توظيف علاقات القوة والسيطرة في إطار اقتصادي اجتماعي، كما اتخذت القيم العائلية صورةً تجسدت في العمل الجماعي المنظم (الشركة العائلية)، أما العائلات التي لم تستطع أن توظف علاقاتها بأبنائها للعمل المنظم، أو فشلت بهذه المهمة، فكانت النتيجة فشل الشركة العائلية وانهارت بموت مؤسسها، وبالتالي لم يتحقق النظام التسلسلي الذي يقضي بإنتقال الموروث المعرفي والإرث إلى الجيل التالي، إن العواطف السائدة بين أفراد الشركات العائلية هي ذاتها التي تجمع بين أفراد العائلة المالكة (كأن يتملك الأب مشاعر وعواطف متضاربة تجاه أولاده كالحب والاعتزاز في مقابل التقليل من قدراتهم)، وتلك التي تجمع بين الموظفين في الشركات غير العائلية (كالمشاكل الداخلية لتولي المناصب والغيرة وغيرها).
ويمكننا أن نفترض أن الأقارب كالآباء والأبناء يعملون على توطيد العلاقات فيما بينهم وإظهار المزيد من العواطف والمشاعر كونهم يبدون اهتماماً عميقاً تجاه مشاعرهم وحول الكيفية التي ينظر كل منهما للآخر، ويمكن لهذه الروابط العاطفية أن تعود بالنفع والفائدة على الشركات العائلية لأنها قد تؤدي إلى ترسيخ الولاء والتفاهم المتبادل والثقة، ولكنها قد تؤدي أيضاً إلى سوء الفهم ويكون لها آثار سلبية، ويرجح أن تميل العائلات، بعكس الشرائح الاجتماعية الأخرى، إلى إظهار القليل من المشاعر وتجنب الفرضيات السلبية تجاه أفرادها، وهذا يظهر بشكلٍ جليّ وواضح لا سيما في المجتمعات ذات النزعة الجماعية والتي تسعى للحفاظ على علاقات جيدة بين أفرادها لتجنب النزاعات وقمع أي مشاعر سلبية تجاه الآخرين، وفي حين أن هذا الأمر مفيد في نواحٍ كثيرة، لكنه لا يعني بالضرورة صعوبة معالجة الأسباب الكامنة وراء المشاعر السلبية لأنها تبقى دفينة لا يتم التعبير عنها وبالتالي عدم التعرف عليها، كذلك تشكل وحدة العائلة والولاء لها عنصراً أساسياً في أداء وعمل المجتمعات ذات النزعة الجماعية، وقد انتقل هذا القدر الكبير من الولاء تجاه أفراد العائلة الواحدة في المجتمعات ذات النزعة الجماعية إلى الشركات العائلية، وإن اختلفت هذه الطرق، وعلى سبيل المثال، قد يكون هناك عدد أقل من الخلافات العائلية لوجود احترام لآراء أفراد العائلة الكبار أو لوجود ثقة في نوايا الأعضاء الأصغر سناً، وقد تكون قضية إشراك الأبناء في الشركات العائلية في هذه المجتمعات أقل إشكالية، ذلك لأن شعور الولاء تجاه أفراد العائلة الواحدة يعني وجود رغبة حقيقية باستمرار العمل من كلا الجانبين، الآباء أو الأبناء على حدٍ سواء.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا نشعر بالقلق تجاه العواطف السائدة في عالم الأعمال القاسي والمنطقي؟ فقد جرت العادة، حتى وقتٍ قريب، بتبني نظم الإدارة والنظرية الاقتصادية واعتماد أفضل التجارب والحلول (ولا سيما في كلٍ من الولايات المتحدة والغرب) ضمن وجهة نظر حول المال والأعمال تتسم بالعقلانية البحتة بعيداً عن أي عواطف أو مشاعر، لكن هذا التصور يتغير بسرعة مع ظهور فهمٍ جديد للدور الرئيسي، الإيجابي أو السلبي، الذي يمكن أن تلعبه العواطف في كل جانب من جوانب الحياة، الشخصية والاجتماعية وحتى التجارية، وقد تمكنّا من خلال إجراء بحوث مختلفة من تحديد بعض العواطف الايجابية والسلبية التي تظهر عادةً في الشركات العائلية، لا سيما في مراحل النمو الرئيسية، وتكون في معظم الأحيان استجابةً لجهات رئيسية أخرى.
إن العواطف تلعب دوراً بارزاً في الشركات العائلية القائمة بشكلٍ خاص، يمكن تصنيف هذه العواطف للشخص الذي يمتلك هذه العواطف، والشيء أو الشخص الذي يمثل محور هذه العواطف، بداية من الآباء: الجيل الأكبر سناً الذي يرتبط اسمه بشكلٍ كبير بالشركة العائلية وكأحد مؤسسيها، يتفهم الأهداف التقليدية وأساليب القيادة والهوية الخاصة بالشركة ويسعى للحفاظ عليها، ويعتريه شعور قوي تجاه هوية العائلة وضرورة تماسكها، يليه الأجيال/الأبناء: جيل الشباب الذي يتأثر بشكلٍ كبير بالتحولات العالمية في مجال التكنولوجيا الاجتماعية والطموحات المهنية الجديدة وإتباع نهج يتسم بالاستطلاع والتقصي حول مختلف الأعراف والمعايير وبيئة العمل المتطورة، المدراء من خارج العائلة: أعضاء فريق الإدارة الذين لا ينتمون إلى العائلة، وهم عادةً يشكلون جزءاً من الدائرة الداخلية غير الرسمية لأفراد العائلة، العمل: في معظم الحالات يصبح العمل محوراً لمختلف المشاعر، وبالنتيجة لا يمكن استبعاده خارج هذا الإطار. وبطبيعة الحال، لا يمكن للعمل إلا أن يكون الغاية وليس الموضوع في هذه الحالة.
عندما يتم تحديد المشاعر السائدة داخل الشركات العائلية، يبرز السؤال حول كيفية معالجة المشاعر ذات الأثر السلبي وإيجاد حلولٍ لها، وما هي الطرق التي يمكن من خلالها الاستفادة من المشاعر ذات الأثر الايجابي وتوظيفها لصالح استمرار وتطوير العمل، فعلى سبيل المثال؛ شعور المؤسس/الوالد بالقلق إزاء الأفكار الجديدة للأبناء وغياب أخلاقيات العمل وضعف الخبرة لديهم، ونجد ان من الحلول الجيدة التي يمكن اعتمادها، تعليم الأبناء وتدريبهم عملياً على طرق تقديم دراسة الجدوى والمقدمة في العمل والحياة ومختلف الالتزامات، وكذلك تطوير مهاراتهم في إدارة التغيير واتخاذ القرارات الإستراتيجية، إجراء اختبار كإحداث تغييرات طفيفة والطلب من الرئيس/الوالد والأبناء تحليل نتائج الاختبار ومشاعرهم تجاهه والنتائج وما إلى ذلك، تحديد دور معين للأبناء في مجال الابتكار والمشاريع الخاصة والمنتجات الجديدة، ومن الأمثلة أيضاً؛ شعور أحد الأبناء بالقلق إزاء إمكانية استيلاء مدير من خارج العائلة على منصبه.
من الحلول المقترحة، التأكد من تحديد أدوار المدير الذي لا ينتمي للعائلة وليس من الأبناء، والعمل على إقامة مشروع مشترك بهدف توطيد العلاقة بينهما، تشديد رئيس الشركة على أهمية ودور الأبناء وتفسير الحاجة لوجود المدراء من خارج العائلة وأهميتهم في نجاح الأبناء والعمل، ضمان استمرار تقييم كافة المدراء من خارج العائلة للتأكد من امتلاكهم لمستوى عالٍ من الذكاء العاطفي ومختلف القدرات والمهارات الأخرى، وقد يكون وجود ميثاق او دستور العائلة في هذه المرحلة أمر في غاية الأهمية.
أيضاً كيف يمكننا الاستفادة من حالات تسودها مشاعر إيجابية، فمثلاً اعتزاز الأبناء بالعائلة وإنجازاتها، يمكننا الإستفادة منها من خلال تكليف الأبناء بمهمة إجراء الاتصالات أو العلاقات العامة مع الأطراف الخارجية، السماح للأبناء بلعب دورٍ أكبر في مجال التسويق، من الأمثلة الأخرى عندما يأمل المدير من خارج العائلة بأن يحصل على دعم الأبناء للتغييرات الحاصلة، يمكننا الإستفادة من خلال بناء علاقة توجيهية إرشادية بين المدير والأبناء، مشاركة المدير لخبراته ومعارفه مع الأبناء وتقديم الدعم لهم في مجال إدارة أفضل الممارسات، وعلى الأبناء تقديم الدعم والإرشاد للمدير حول المسائل العائلية والثقافة المحلية، وبمعنى آخر يتم تشكيل فريق صغير يضم المدير والأبناء، وفِي حال اعتزاز المؤسس/الأب بقدرات وإمكانات الأبناء يمكن تفعيلها من خلال استحداث مهام للتعامل مع وسائل الإعلام الجديدة والاستغلال الأمثل للتكنولوجيا أو في مجال القدرات والإمكانات الجديدة للأبناء، ومنح الأبناء سلطات جديدة في إدارة ميزانيات العمل.
يمكن للشركات العائلية أن تمتلك مزايا تنافسية هائلة، تكمن في بناء علاقات وثيقة وجسور من الثقة والتفاهم المتبادل بين أفراد العائلة الواحدة، وإقحام العواطف والمشاعر داخل الشركات العائلية يمكن أن يكون بمثابة ميزة إستراتيجية، ولا سيما داخل المجتمعات ذات النزعة الجماعية نظراً للأهمية الثقافية للهياكل العائلية. وفي حين أنه من المّسلم به أن يؤدي إقحام العواطف والمشاعر إلى نتائج سلبية عكسية، إلا أنه يمكن التقليل من حدّة هذه النتائج السلبية باعتماد طرق وعمليات منهجية منظمة، ولمواكبة النمو المتزايد في مؤسسة ما، ينبغي على تلك المؤسسة توسيع عملية الإدارة والحوكمة وتوظيف المدراء من خارج أعضاء العائلة بهدف تلبية متطلبات ومعايير النمو والتطور، مع مراعاة عدم الإضرار بمواطن القوة الفريدة للشركات العائلية أو تجاهلها، ويكون ذلك عبر تفهم شبكة العلاقات والعواطف الهامة وإدارتها على نحو فعّال يصب في صالح الشركة ويطور أعمالها.
تظل الحوكمة النفسية من الأمور المهمة التي تعمل على تمهيد الطريق لبناء أنظمة الحوكمة على أسس صحية حتى لا تقف الشركات العائلية حائرة على مفترق الطرق، يتعين على تلك الشركات إذا أرادت البقاء والمنافسة في غضون الخمس سنوات المقبلة أن تبذل مزيدًا من الجهود بشأن تخطيط الأعمال واستخدام النظم والعمليات المناسبة التي تمنحها نظرة شاملة، تمكنها من دفع عجلة الابتكار، وزيادة استثماراتها، الشركات العائلية ستظل تلعب دورًا رئيسًا في دعم برامج التحول الرقمي والتنويع الاقتصادي، ومن الممكن أن تتضاعف استثماراتها، إن الاقتصاد الرقمي، يضاعف الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 800 مليار دولار وتوفير 6 ملايين وظيفة وهو ما يعني اعتماد الشركات العائلية على بيئة الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال