الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لا شك أن الحرب التي أعلنها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله على الفساد هي الأقوى والأكثر تأثيرا ، ونتائجها على أرض الواقع واضحة للجميع ، وبدأت تؤتي أكلها في خفض وتيرة الفساد وتأثيره في الدولة . وأهم نتائج تلك الحرب أن الفساد عاد إلى جحوره ، وأصبح يخاف من افتضاح أمره ومحاسبته ، بعد أن وصل به الأمر أن يمشي متبخترا في كل المناسبات .
استعادت الحكومة بعض غنائم الفساد ، فأكثر من 400 مليار ريال استعيدت من بطون الحيتان ، وأكثر من 1.5 مليار متر من الأراضي ممن ظن لصوصها أنها أصبحت من صيد الماضي وأن أخذها منهم من المستحيلات . ومازال سيف العدل يقتص من الفساد والفاسدين ، وأعتقد أن طريق الحرب على الفساد طويل جدا ، ومازال هناك الكثير مما يجب فعله على كافة الأصعدة خصوصا على المستوى القانوني والتنظيمي والرقابي .
لكن أعتقد أن الفساد الأكبر والأخطر والأكثر ضررا بالتنمية والمجتمع والحكومة لم تُعلن عليه الحرب بعد ، ولم يصله من الحرب على الفساد إلا شظايا خفيفة لم ولن تؤثر فيه . الواسطة أم الفساد وأصله وقاعدته التي يستند إليها ، وعموده الفقري الذي لا يقوم إلا به ، الواسطة التي أوجدت كل أنواع الفساد .
في أزمنة الغفلة تغللت الواسطة لتحول المؤسسات الحكومية لإقطاعيات خاصة ؛ عائلية ومناطقية ومصالح مشتركة ، ولم تكتفي بذلك حتى وصلت للقطاع الخاص وربطت مصالحه بمصالح تلك الإقطاعيات وتحكمت فيه تماما ، ولم تنج منه حتى كبريات الشركات. فمازالت الواسطة تتحكم في التوظيف والقبول والاعتمادات والترقيات والمناصب والمهام ، وكلمتها العليا في كل ذلك رغم ما يقال عن الشفافية والعدالة والمصداقية .
نحن بحاجة لإعلان حرب خاصة على الواسطة ، لغرس الأمل في نفوس الشباب الذين أصيبوا بالإحباط. ولا أتحدث عن احباط الشباب من فراغ ، فأنا قريب جدا منهم ، أرى معاناتهم وأسمع شكواهم .
القضاء على الواسطة أظنه من المستحيلات ، لكن خفض تأثيرها السلبي إلى الحد الأدنى ممكن بل ضرورة. فلن تنجح تنمية ولن يتم القضاء على الفساد المالي والإداري دون الحد من المصدر لكل ذلك (الواسطة) .
وحتى يتم الحد من دور الواسطة وتحييد أثرها السلبي لابد من إصلاح أنظمة (القبول ، والتعيين ، والترقيات ، والتكليف ، والاعتمادات ) وكل ما يمكن أن تؤثر فيه الواسطة . ثم تتم المتابعة الدقيقة بعد ذلك لكل القرارات التي تتم ، والتأكد من مصداقيتها وعدالتها ، وأن ليس للواسطة دور فيها .
والأهم أن يتم تفتيت التكتلات التي تكونت في بعض القطاعات الحكومية نتيجة الواسطة ، ويجب ألا يستثني أي قطاع من المراجعة .
مبادرة (استقطاب الكفاءات) إحدى مبادرات رؤية السعودية 2030 ، وهي مبادرة رائعة جدا في حقيقتها ، لأنها تسعى للاستفادة من الخبرات في الحكومة والقطاع الخاص وتمكينها بعيدا عن التعقيدات في الترشيح والمفاضلة وإجراءات التعيين المعقدة . لكن واقعها مؤسف فعلا ، فعلى ما يبدو أنها قد استغلت لتنفيع الأقارب والمعارف والأصدقاء . فتعيين حديثي التخرج عديمي الخبرة ، بل وخريجي الثانوية العامة بأرقام فلكية ، وفي مناصب مهمة وحساسة تحت مسمى استقطاب الكفاءات ، لا شك أنه فساد ولا يمت لاستقطاب الخبرات بصلة .
لابد من مراجعة التعيينات الماضية تحت هذه المبادرة ، ومحاسبة من استغلها بصورة خاطئة . لكن الأهم أن يتم تقنين المبادرة بصورة أفضل حتى لا تتحول إلى بوابة ضخمة للفساد .
الواسطة أم الفساد ويجب إعلان الحرب عليها بذاتها ، وإن نجحت الحرب عليها فسوف يتم القضاء على معظم أنواع الفساد الأخرى .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال