الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في السعودية أدمنا على الإعلانات المليارية، وتدشين المشاريع العملاقة في الطاقة والبتروكيمياويات، والمصافي، والجسور والمستشفيات .. آخر ذلك كان قبل أسابيع قليلة تم الإعلان عن ميزانية السعودية 2019 التي تعد أكبر ميزانية في تاريخ المملكة تتضمن إنفاقا هائلا تجاوز 1.1 تريليون ريال، وأمس الأول عندما تم الكشف عن ارتفاع المخزونات النفطية المؤكدة إلى مايناهز 300 مليار برميل تفط مؤكد يمكن أن تكفي البلاد لأكثر من 100 عام في ظل الإنتاج الحالي .. لكن خبرا آخر أعلن ظهر الأربعاء يكشف عن اهتماما آخر، وبعدا آخر يأخذ البلاد إلى مستقبل أفضل.
فقد دشن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز جديد كان طي النسيان، هو برنامج التنمية الزراعية الريفية المستدامة، الذي ظهر إلى العيان بعد عمل مضن من قبل وزارة البيئة والزراعة والمياه على مدى أربع سنوات. أول ما يتبادر إلى الذهن سؤال هو: هل هناك حقا ريفا سعوديا؟ أليس المدن السعودية حديثة، وجاذبة؟ ما الداعي لمثل هذا المشروع الذي خصص له من الخزينة العامة أكثر من 11 مليار ريال.
الحقيقة إن الملك سلمان بن عبد العزيز يرسم خطوطا جديدة في التنمية في كافة المجالات، لكنها الأوضح في التنمية المستدامة، والتنمية الريفية، والإدارة المحلية، منطلقا من خبرة تتجاوز 50 عاما في إدارة العاصمة الرياض كحاكم إداري ورجل دولة التي راقب تحولها من بساتين صغيرة، وبلدات وريف إلى واحدة من أكبر العواصم في العالم.
بخبرته، وتجربته، ورؤيته التي أنعكست في رؤية السعودية 2030، اختار الملك فريقا متخصصا بقيادة خريج جامعة البترول والمعادن المهندس عبد الرحمن الفضلي، لإدارة منظومة البيئة والمياه والزراعة. وقرر بكل جدية العودة إلى الريف السعودي قناعة بأهمية التنمية المتوازنة، ولأن كل مشاريع الرؤية الطموحة لن يمكن تطبيقها ما لم تكن مستدامة، وجاذبة، وتراعي الناس، وتحسن حياتهم.
اليوم تعود الدولة بقوة إلى الريف، ويمكن أن نقول بكل وضوح، إن الدولة تعالج مشكلة نشأت عن التوسع في الزراعة الصحراوية المستنزفة للمياه والبيئة، وندرة فرص العمل خلال العقود الماضية، ما جعل كثير من الريف السعودي يضمحل، ويتآكل مع ارتفاع أعمار من يديرونه، وهجرة الأبناء والأجيال اللاحقة.
اليوم نعود إلى عنب الطائف، والباحة، ومدرجات عسير، ومانجو جازان والبن اللذيذ الذي تنتجه. في الطرف الغربي – الجنوبي من البلاد تجرى عملية جراحية، تهدف إلى إحياء الحياة الريفية وفق أحدث التقنيات العالمية.
اليوم يمكن للموظفين من أبناء هذه المناطق العودة إليها كسكان منتجين في مزارع أبائهم وعائلاتهم، وليس كزائرين أو مصطافين. هناك يوجد كل مقوفات الحياة: العلاج، الطرق، التعليم، الانترنت، وغير ذلك مما توفر خلال العقود الأربعة الماضية والتي أدت إلى هجرتهم، وبالتالي فإن هذه العودة ستكون مؤثرة، وعامل اقتصادي وتنموي ضخم يعيد الحياة إلى شرايين الاقتصاد في هذه المناطق.
بلمحة بسيطة يمكن أن نعرف أن البرنامج يستهدف رفع الإنتاجية في عدد من المحاصيل النوعية أبرزها الفواكه والبن والعسل، من خلال التركيز على مجالات الزراعة، وتربية الحيوانات، وصيد واستزراع الأسماك، وتربية النحل. ويمكن ان يؤمن إلى مايصل إلى 20 % من احتياجات المملكة من الأغذية، ولعل من الأبر رفع إنتاجية تربية النحل إلى أكثر من 300 %، والورد إلى أكثر من 2 مليار وردة، وهو يعادل أربعة أضعاف الإنتاج الحالي، ويمكن أن يستفيد منه أكثر من ربع مليون إنسان في مهن الزراعة وتربية الحيوانات وغيرها، ويمكن أن يؤمن أكثر من 35 ألف وظيفة. من الملفت في البرنامج العمل على دعم البنية التحتية من خلال تخصيص مبلع ضخم يتجاوز 1.5 مليار ريال، من خلال تحسين وضع السقا، وتهذيب المدرجات للزراعات الجبلية، وتأهيل المزارعين من خلال دورات في مختلف دول العالم، واستقطاب كفاءات وخبرات تدريبية وتجارب من دول تعمل في هذا المجال.
اليوم نقول بثقة إن الريف السعودي عائد إلى الواجهة، وسيكون محركا اقتصاديا ضخما، بل سيكون رمانة قطاعات اقتصادية أخرى مثل الترفيه، والسياحة والآثار وغيرها. هل جربت أن تنام في قرية ريفية على تخوم الطائف المأنوس، ألا تحلم بمعانقة غيوم الباحة، ألا تريد تجربة هبات برد سودة عسير .. أرى هذ المشاهد رؤيا العين، وكل ذلك يتحقق برؤية الدولة الفتية، التي تحارب على كل الجبهات التنموية، لمصلحة ومستقبل أجيال مقبلة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال