الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كثرت في الآونة الأخيرة الدراسات والفرضيات المتعلقة بالاقتصاد السلوكي، حيث جمع عدد من الاكادميين بين علم النفس وعلم الاقتصاد مقدّمين أفكاراً وفرضيات جوهرية في هذا المجال، بهدف تفسير تصرّف بعض البشر بشكل غير عقلاني عند اتخاذ القرارات الاستثمارية أو المالية، وكان أبرز من تطرّق لهذا الموضوع البروفيسور “ريتشارد ثالر” الحائز على جائزة نوبل والمعروف بنظرية “التنبيه”.
لذا فقد رأيت أهمية لإلقاء الضوء على بعض النقاط الهامة التي تمكّننا من فهم الاقتصاد السلوكي المبني أساسه على قيام البعض باتخاذ قرارات غير منطقية وفقاً لمحدودية إدراكهم للأمور وميلهم إلى تجاهل الأمور العقلانية والعلمية في اتخاذ قراراتهم الاستثمارية أو المالية.
بوجهة نظر متواضعة أرى أنّ الحسابات الذهنية هي أهم التحيزات السلوكية الاقتصادية، إذ يميل البشر إلى تجاهل حقيقة أنّ المال قابل للاستبدال ويقومون بفصل أموالهم في حسابات ذهنية مختلفة وفقاً لمعاييرٍ ذاتية مثل الطريقة التي حصلوا بها على الأموال أو ما إذا كانت هذه الأموال مخصّصة أصلاً لهدف ما، فعلى سبيل المثال، نجد أن بعض الأشخاص الذين يقترضون باستخدام بطاقات الائتمان الخاصة بهم يدفعون فوائداً مالية سنوية تصل إلى 20٪ ، في حين يكون لديهم حساباً استثمارياً يمكنه بسهولة تغطية فاتورة بطاقة الائتمان يحقق عائداً أقل من 20٪، فمن المنطقي تماماً سداد قيمة بطاقة الائتمان من حساب الاستثمار لأن تكلفتها أكثر من العائد الاستثماري، ولكنهم لا يفعلون ذلك بسبب حساباتاهم الذهنية. مثالٌ آخر، عندما يحصل الموظفون على مكافأة آخر السنة، يتعاملون معها بشكلٍ مختلف عن رواتبهم وربما يستثمرونها في استثمارات عالية مخاطر أو يصرفونها على أمورٍ غير ضرورية، أو عندما يحقّق المستثمرون مكسباً غير مرتقب، فإنهم يميلون إلى استثمار مكاسبهم في استثمارات أكثر مخاطرة، لذلك فإن مصدر أموالهم يؤثر فعليّاً على إنفاقهم السلوكي أو قرارات استثماراتهم.
ولكون المجتمع الاستثماري يُعطي اهتماماً متزايداً للحسابات الذهنية، قام الأكاديميان “ﺸﻔرﻴن” و”ﺴﺘﺎﺘﻤن” عام 2000 بوضع دراسة مهمة بعنوان “ﻨﻈﺮﻳﺔ اﻠﻤﺤﻔﻈﺔ الاستثمارية السلوكية” Behavioral portfolio theory التي تشير بأنّه يمكن للمستثمرين والمستشارين الماليين استخدام منهجية استثمار مرتكزة على أساس إنشاء محفظة لعملائهم تتلاءم مع تحيزاتهم السلوكية وبالتحديد الحسابات الذهنية. فعلى سبيل المثال، إذا كان لدى أحد الأشخاص هدف امتلاك سيارة “فيراري” خلال 10 سنوات، فربما يقوم باستثمار ذو مخاطر عالية لتحقيق هذا الهدف، حيث أن امتلاك سيارة “فيراري” هو من الرفاهيات وليس من الضروريات على الأقل من وجهة نظري الشخصية. في حين أنه – على سبيل المثال – سوف يقوم بالاستثمار في السندات المالية أو استثمارات ذات مخاطر قليلة إذا كان الغرض من الاستثمار هو تمويل التعليم العالي لابنته. فعندما يقوم المستشارون الماليون بإنشاء عدة محافظ استثمارية كل منها موجه لهدف ما أثبت علمياً أنها طريقة فعالة للتعامل مع التحيزات السلوكية وبالتحديد الحسابات الذهنية.
كيف نتجنّب الوقوع في مصائد الحسابات الذهنية؟ علينا إدراك أن المال قابل للاستبدال وأن المال الذي نكسبه قابل أيضاً للاستبدال بغض النظر عن مصدره، كما ينبغي أن نكون على حذر بعدم الانحياز للحسابات الذهنية عند إنفاقه أو استثماره.
آمل أن يكون هذا المقال مفيداً لقرائنا، وسوف أتطرّق في المقالة المقبلة لتجنب تحيز تجنب الخسارة “Loss Aversion”.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال