الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
على الرغم من تطور مهنة المراجعة والمعايير التي تعمل تحت مظلتها المهنة خلال العقود السابقة وبالأخص خلال الفترة التي أتبعت سقوط عملاق الطاقة الأمريكي شركة انرون وما نتج عن ذلك من سقوط أكبر دور المراجعة والاستشارات آرثر أندرسون وهو ما حدا بكثير من الجهات الرقابية والتنظيمية ومجالس المعايير المختلفة الى مراجعة أنظمتها ومعاييرها وإصدار الجديد من المعايير وتحديث ما هو قائم للحد من تكرار ما وقع من أخطاء فيما سبق من حالات فشل أعمال المراجعة في حماية حقوق المساهمين واقتصادات الدول وعلى الرغم أيضاً من الاستثمارات الكبيرة التي ضختها معظم دور المراجعة العالمية الكبيرة في تطوير مناهج المراجعة المختصة من قبلها والأنظمة الداخلية لديها لتعزيز مفهوم الجودة وتقليل المخاطر الناشئة عن أعمال المراجعة والتي تمثلت في عدة إجراءات لعل أهمها تعزيز إجراءات قبول العملاء والتأكيد على مبدأ الاستقلالية وزيادة جرعات التدريب لمواردها وكوادرها البشرية واستخدام أنظمة وبرامج حاسوبية معقدة للقيام بأعمال المراجعة لتقليل مخاطر فشل أعمال المراجعة في اكتشاف الأخطاء في القوائم المالية إلا أن ما يهم أي مستفيد من عمل المراجع وما يصدر عنه من تقرير هو أن يصدر ذلك التقرير من جهة مستقلة بشكل تام وأن تلتزم تلك الجهة المستقلة بالحياد والموضوعية عند تقييم أدلة المراجعة وعند الوصول الى رأي عن القوائم المالية ككل، وأن تحافظ تلك الجهة على استقلالها أثناء ادائها لمهامها حتى الانتهاء من عملية المراجعة وإصدارها لتقرير المراجعة وأن تضع دائماً نصب عينها روح ومضمون مفهوم الاستقلالية وليس فقط مظهر الاستقلالية.
يرى البعض وخاصة في المجتمعات الشرقية أن الاستقلالية وجدرانها الصلبة التي يجب أن تفصل بين المراجع الخارجي وأفراد فريق عمله وبين كافة الأطراف المرتبطة بإعداد وإصدار القوائم المالية وكافة المستفيدين منها ومن تقرير مراجع الحسابات عنها قد تتعرض للانهيار أو الإذابة مع مرور الزمن وتتحول إلى تجّذر في العلاقات والود بين العناصر البشرية للمراجع الخارجي والعميل وقد تتطور في بعض الحالات الى مصالح مشتركة وتبدل للأدوار من خلال عروض وظيفية مرموقة.
انطلاقا من حاجة عدة أطراف ولعل أهمهم مالكي حصة الأقلية الى الحصول على قوائم مالية مدققة من قبل طرف مهني مستقل نشأت الحاجة في الأصل الى قيام المسؤولين عن إدارة المنشآت على اختلاف اشكالها القانونية بتكليف إحدى دور المراجعة المستقلة للتحقق من عدالة ما تعده تلك الجهات من قوائم مالية سنوية أو غيرها لتقديمها الى عدة جهات من المستفيدين الذين تعنيهم بدرجة كبيرة نتائج أعمال تلك المنشآت وموقفها المالي وهو ما تؤكد علية الجهات التي تشرّع والتي تراقب أعمال مراجعي الحسابات والمعايير المهنية ذات الصلة والأنظمة الداخلية لشركات ومكاتب المحاسبة التي تحكم أعمالهم.
يتعرض عمل المراجع الذي ينظر في عدالة تلك القوائم المالية كما هو الحال عمل المحاسب الذي يعد تلك القوائم المالية الى كثير من المواقف التي تتطلب استخدام كليهما للحس التقديري لتقرير أفضل معالجة لبعض العمليات المحاسبية أو الظروف المالية والاقتصادية التي تؤثر بشكل جوهري على عدالة القوائم المالية وما تفصح عنه تلك القوائم من معلومات وإيضاحات تؤثر بشكل مباشر على قرارات المستفيدين من تلك القوائم.
من هنا تتجلى أهمية محافظة مراجع الحسابات المستقل شكلاً ومضموناً على استقلاليته والتمسك بها لصالح كافة المستفيدين وبالأخص أصحاب الأقلية والتي قد تتعارض في بعض الحالات مع مصالح أصحاب القرار في تكليف مراجع الحسابات وتحديد أتعابه وإعادة تعيينه لسنوات قادمة، ومن هنا أيضاً يبرز دور مراجع الحسابات المهني في التعامل مع كثير من المعاملات التجارية وتقديرات إدارة المنشأة والمواقف المالية التي تؤثر بشكل جوهري على عدالة نتائج الأعمال أو ما يعرف بقائمة الدخل والموقف المالي للمنشأة أو ما يعرف بالمركز المالي والتي تتطلب من المراجع فحص التقديرات المستخدمة من قبل الإدارة في تحديد المعالجة المحاسبية الصحيحة لتلك المعاملات التجارية والمواقف المالية وما ينتج عنها من إفصاح في القوائم المالية وهي كثيرة ومن هذه المعاملات التجارية والتقديرات على سبيل المثال المعاملات مع الأطراف ذوي العلاقة والمعاملات مع الشركاء ومخصصات الذمم المشكوك فيها والمخزون المتقادم وهبوط قيمة الأصول والشهرة التجارية وهبوط قيمة الاستثمارات والزكاة والضريبة والضمان التجاري وتقييم قدرة المنشأة على الاستمرار وغيرها من الأمور المحاسبية الأخرى الجوهرية وذات الطبيعة التقديرية.
مما لا شك فيه أن المراجعين وخاصة مكاتب المراجعة الكبرى والتي عادة ما تقوم بمراجعة حسابات الشركات الكبرى التي لديها معاملات تجارية معقدة تقوم ببذل جهد أكبر للتحقق من تلك المعاملات ومراجعتها بشكل يحقق عدالة القوائم المالية بشكل عام وهو ما قد يلزمها في بعض الحالات بالقيام بالتشاور مع الخبراء الداخليين للاستعانة بهم والتأكد من أن ما توصل إليه فريق المراجعة بهذا الخصوص متوافق مع المعايير المهنية ذات الصلة ويعكس نتائج أعمال عادلة ومركز مالي عادل للمنشأة.
كما عرف عن شركات المحاسبة الكبرى في السابق أنها تلزم مكاتبها ممن يقدمون خدمات مهنية لأي من العملاء ممن يمكن أن تتجاوز أجمالي الأتعاب المحصلة منهم نسبة معينة من أجمالي أتعاب المكتب المعني تتراوح ما بين 5 إلى 10 بالمائة تختلف باختلاف الشركة المحاسبية وهو ما قد يتوافق مع المفهوم المتنامي لدى البعض بوجود علاقة عكسية أبدية بين حجم الأتعاب وقدرة مراجع الحسابات الخارجي على التمسك باستقلاليته يستحيل أن تتحول إلى علاقة طردية حتى وأن طال الزمن.
وحيث أن العنصر البشري يلعب الدور الرئيس في القرار المتخذ في التقرير بصحة تلك المعاملات التجارية وعدالة المخصصات التي تقررها الإدارة، يمثل جوهر الاستقلالية واستقلالية أعضاء فريق العمل حجر الزاوية ولكنها قد تواجه في بعض الأحيان صعوبات وعوائق تتسبب في ضعفها أو فقدانها وبالأخص من ناحية الجوهر عندما يدرك المراجع أن عدم إبداء جانب من المرونة بهذا الخصوص قد يتسبب له في فقدان العميل وهو ما ينعكس سلباً على حجم أعماله أو مستقبله المهني والوظيفي في مكتب أو شركة المراجعة التي ينتمي إليها خاصةً إذا ما علمنا أن أهم مؤشرات قياس أداء فريق العمل والشريك أيضاً في تلك الشركات تقوم على النمو والمحافظة على العميل ومدى رضاء العميل عن الخدمة المقدمة وكل هذه التحديات وغيرها تضع استقلالية المراجعة على المحك وتضع المراجع بين مطرقة المصالح المادية للمكتب أو الشركة المحاسبية وسندان الأنظمة والمعايير ومخاطر المسؤولية المهنية وحقوق المستفيدين الذين وضعوا جل ثقتهم في أمانته المهنية بعد الله، وجميعها عوامل قد تؤدي إلى ضعف أو فقدان الاستقلالية لمضمونها.
وأكثر ما يدعو للطمأنينة أو العكس أن لا أحد يسمع في الغالب عن نشوء خلافات بين مراجعي الحسابات وعملائهم بخصوص رفض مراجعي الحسابات لأي من المعالجات المحاسبية أو لاعتراضهم على عدم كفاية العرض والإفصاح للقوائم المالية محل المراجعة أو لأي أمور أخرى ذات علاقة بأعمال المراجعة وتؤثر على عدالة القوائم المالية وكأن حال ذلك يقول ويؤكد وبكل بساطة أن مستوى الوعي والشفافية وتوافق ومراعاة كافة حقوق المستفيدين من القوائم المالية وصل الى درجة قريبة جداً من النضج والكمال قد تجعل المستفيدين يعيدوا التفكير في ضرورة تعيين مراجع حسابات مستقل وتكبد أتعاب مقابل خدمات تكاد نتائجها تكون نمطية ومعروفة مسبقاً.
إلى عهد قريب وبالرغم من وجود بعض الضوابط المنصوص عليها في الأنظمة والمعايير والتي لا تجيز بعض مظاهر العلاقة بين المراجع والعميل التي تتسبب في فقدان استقلالية المراجع إلا أن كثير من تلك المظاهر يتم الباسها أزياء تنكرية وإخفائها عن رادارات الجهات المنوط بها مراقبتها والتصدي لها، ولكن ما يدعو إلى مستقبل متفائل أن المحاولات والحيل السابقة في الالتفاف على متطلبات الاستقلالية لتحقيق منافع مختلفة قد تكون فقدت مآربها أمام صدور الأنظمة والبرامج ذات المكافآت التشجيعية من قبل بعض الجهات ذات الصلة للإبلاغ عن المخالفات التجارية والمحاسبية كما ينتظر أن يقضي متطلب نظام الشركات الجديد بأن لا تتجاوز مدة تعيين مراجع الحسابات خمس سنوات متصلة بنهاية عام 2020 على كل الوسائل والمحاولات لإخفاء فقدان الاستقلالية وما يترتب على ذلك من مخاطر وأضرار على من يضعوا ثقة كبيرة في تقرير مراجع الحسابات وما يقف وراءه من عمل تحكمه الاستقلالية واستقلاليتها من كافة المؤثرات والضغوط والمصالح ويجدد الثقة في دور مراجع الحسابات الخارجي والحاجة إليه.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال