الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
الإسهام في تفريج الكربات، لاسيما سداد المديونيات، لم يكن وليدا كفكرة و كعمل خيري. فبرامج الإعفاء وسداد مديونيات سجناء القضايا المالية أمر مألوف, سواء ما كان عن طريق ما دأبت عليه الدولة وقادتها أو عن طريق المحسنين. إلا إن فرجت خرجت عن المألوف وظهرت بتنظيم تقني واسع و برعاية رسمية من وزارة الداخلية عن طريق ذراعها التقني ” أبشر “. المشروع بدأ بشكل ملفت وبإنتشار إعلامي واسع وترحيب شعبي كبير ، حقق في أيامه الأولى نتائج كبيرة وساهم في الإفراج عن المئات من سجناء الديون.
المشروع عمل وطني كبير يمس بطريقة أو بأخرى معظم شرائح و أسر المجتمع سواء كانوا دائنين أو مدينين أو متبرعين. ولحساسية هذا البرنامج كونه يعالج قضايا مالية لا نستغرب أن يستهوى شرائحا مختلفة من المجتمع خارج هذه العناصر الثلاثة. وقد لاحظنا النشاط الكبير والحملات الترويجية على السوشل ميديا ، لا للبرنامج كمشروع وطني ولكن لمديونيات معينة ، مما يوجب وضع هذه الحملات على بساط البحث من ناحية آلياتها ومدى انسجامها مع المديونيات المستهدفة التي يتم تحديدها من قبل إدارة السجون كجهة مشرفة على المشروع.
كعمل إنساني خيري يعالج قضية هامة مورقة لكثير من أسر وأفراد المجتمع ، يدرك الجميع أهمية البرنامج وحرص وزارة الداخلية ، متمثلة في إدارة السجون ، على تحقيق الأهداف الإجتماعية التي قام عليها وأسس من أجلها.والأهم من هذا ضمان إستمرار البرنامج بنفس الزخم ، من خلال ضمان التناغم الاجتماعي وستمرار العطاء ، فهو أولا وأخيرا قائم على تبرعات المحسنين ، وما على المحسنين من سبيل ، إلا من خلال قناعاتهم بجدوى نتائجه ومقدار دعمهم.
ظهور مديونيات مليونية بحملات ترويجية كبيرة – لا نعلم كيف اكتسبت و فيما أنفقت – يطرح السؤال الملح عن آلية تحديد المديونيات من حيث الطبيعة والسقف. فالداعم يتوقع ويرغب أن يساهم في مد يد العون لمتعفف تعثرت به الظروف ، لا أن يكون طوق نجاة لتاجر مغامر لم يحسن التدبير في إدارة تجارته. رغم إننا ما زلنا في مرحلة مبكرة يصعب فيها التقييم وقياس إيجابيات وسلبيات البرنامج إلا إننا قد نتفق على أهمية التنظيم بشكل عملي يخدم أهداف البرنامج من خلال تحديد نوع المديونيات وسقفها بما يحقق الإفراج عن أكبر عدد ممكن.
من وجهة نظري ، يتعين على إدارة السجون الإعلان عن آليتها وضوابطها في ترشيح المديونيات التي ستكون متاحة للسداد من خلال العمل التطوعي . من المهم لهذه الضوابط أن تستهدف ما كان من الديون للإحتياجات الملحة للحياة دون إفراط أو تفريط مع حسن النوايا. إضافة إلى الآلية التي تحدد أولوية الترشيح من خلال معادلة نقاط بحسب حجم الدين وملاءة الدائن أو الدائنين المستفيدين من السداد ، وما إذا كانوا أفرادا أو منشآت تجارية ، والوضع الأسري للمدين. والأهم أن تصمم الضوابط بدقة لا تجعل من البرنامج عاملا مشجعا على المزيد من الديون، مما يعني أن تضع في الحسبان المدة الزمنية التي يتعين على المدين مكوثها في السجن قبل الترشيح للسداد.
من العناصر التنظيمية التي قد تسهم في ديمومة تدفق التبرعات و يعطي الضمانات التي تعزز ثقة و إقبال الداعمين الإعلان عن معايير حوكمة وشفافية تطبق على عمل البرنامج . يفترض لهذه الحكومة أن تتيح المراجعة النظامية لنتائج البرنامج وتقر وتحدد القوائم المرشحة للسداد ، وتفصح عن القوائم المفرج عنها بشكل دوري ، كما تتيح لمن رغب إمكانية الوصول للأمر التنفيذي والإطلاع على الحكم القضائي وحيثياته ومنشأ الدين.
رغم أن الرقم المرجعي لـ” سداد ” يصدر عن طريق أبشر , وهو التطبيق الذي يحظى بثقة مطلقة لدى المواطنين والمقيمين ، إلا أن ما نشاهده حاليا هو تداول أرقام سداد عن طريق نجوم ومشاهير السوشل ميديا وبحملات ترويجية مكثفة لأرقام معينة . هذه الحملات قد تدار وتمول من قبل أصحاب الدين أنفسهم – وهو حق مشروع على كل حال – إلا أننا نؤمن بأن أهداف البرنامج أسمى من ذلك ويستهدف الضعيف قبل القوي . لاننا نرغب في استمرار وفاعلية البرنامج فإن أخشى ما نخشاه أن يساء للبرنامج الوليد من خلال إختزاله في درجة قدرة الدائن أو المدين في التعبئة الترويجية ، نريده برنامجا وطنينا يعزز التلاحم الوطني ويقدم المساعدة لمحتاجيها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال