الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يبدو أن هذا التخصص مُغيب أكاديمياً في جامعاتنا العريقة ولا يزال يشكل فجوة كبيرة بين الحاجة المتنامية إليه في القطاع الاعلامي والامكانات المهنية للموارد البشرية المتخصصة النادرة او تلك التي لم تُتَح لها الفرصة بعد للخوض في غمار هذا المشهد. ومع تعزيز مكونات رؤية المملكة 2030 في محورها الاقتصادي بات الأمر متطلباً ضرورياً لمواكبة هذه المتغيرات والتحولات الاقتصادية التي تشهدها بلادنا الغالية بإزدهارها الاقتصادي المتواصل، بيد ان صناعة الاعلام الاقتصادي اليوم يمر بمنعطفاً نحتاج من خلاله الى المزيد من تضافر الجهود للارتقاء بالوسيلة الاعلامية وخطابها الاقتصادي من جهة ومن جهة أخرى التوسع في معطيات هذا التخصص بالتأهيل والتدريب والممارسة.
يخطىء من يظن ان مدرسة الاعلام العام ستقوم بهذا الدور ذلك ان التحليل الاقتصادي يتطلب الإلمام والمهارة بقراءة المؤشرات والبيانات والتنبؤات وتدقيق معطياتها ومن ثم بناء تحليل متكامل بخطاب اكثر احترافاً، كما يخطىء من يظن ان تخصص الاقتصاد فقط سيوفر التحليل المطلوب ذلك ان الاقتصادي هو الآخر بحاجة الى دراسة فن وصناعة الاعلام وأساليبه المتطورة يوماً بعد يوم.
والحقيقة انه من المعيب ان تتحول رحلة الانسان الاقتصادية اليومية الى محتوى في الاعلام الاقتصادي إِذْ نشاهد الزج بعلم الاقتصاد في كل شاردة وواردة حتى انه وصل الحال الى استبدال لفظ البخل باقتصاد او ان الترويج والاعلان لمطعم ما او محل تجاري هو اعلام اقتصادي كما هو الحال في شبكات التواصل الاجتماعي والذي تصدر مشهدها مشاهيرها ضمن لغة باهتة مما شكل خللاً في الثقافة الاعلامية الاقتصادية بشكلها الشامل لكل الفروع كأحد ابرز الاشكاليات في الثقافة الاقتصادية الشعبوية في فرع ولغة الترويج (الاعلان).
وعليه فإن المدرسة الاعلامية الاقتصادية تحتاج الى المحترفين المتخصصين وهذا يعززه الانتشار والتعدد الهائل لوسائل الاعلام بكافة أنواعها ووسائلها، ومهما يكن من أمر فإن الاعلام الاقتصادي هو صناعة تهتم بنقل وتحليل وتفسير والمتغيرات والقضايا الاقتصادية ويعرّف بالفرص المتاحة من مشاريع تنموية واستثمارية ويشجع على اتجاهاتها وكذلك تقييم الاخطاء والمشاكل الاقتصادية وطرح الحلول لها ولذلك فإن وظيفة الاعلام الاقتصادي الاساسية هي نشر المعرفة الاقتصادية وترويجها .
إن الخطاب الاقتصادي النخبوي فَرَضَ وجوده وأصبح ذَا ثقافة وابعاد عالية الجودة والاداء ولكنه محدود الأبعاد وضمن وسائل محددة موجه آحادياً نحو المهتمين ولذلك يُطلق على الاعلام الاقتصادي اعلام النخب لوجود مهارة في المعرفة الاقتصادية والفلسفات الاقتصادية وانعكاس الرأي العام في الاعلام الاقتصادي على تحريك الاسواق وتنشيطها وتأثيرها على الأنشطة الاقتصادية المختلفة في شكل خطة ممنهجة ذات اهداف يسعى الاعلام الاقتصادي الى تحقيقها على ارض الواقع .
وعندما يتبادر الى الذهن عن الدور المأمول من المهتمين بالإعلام الاقتصادي وكيف نطور أداءه ؟
نقول بأنه لابد من العمل الممنهج لتثقيف المجتمع والتي تنطلق أساسياتها من المختصين بتبسيط المصطلحات الاقتصادية وتوعيته بالنمط الاستهلاكي والانفاقي وآليات الادخار والبرامج الاقتصادية المفيدة وتحليل الظواهر الاقتصادية بواقعية وتوازن والبعد عن الإثارة واللغة السالبة وهذه لن تتأتى الا بالتأهيل والتدريب والممارسة الكافية مصحوبةً بالمعايير الأخلاقية كالامانة المهنية والمصداقية والواقعية والاتزان العقلاني وعدم الاغراق بالمعلومات المملة للمتابعين شغوفاً بالتخصص وروح التحدي والقراءة والحضور الذهني .
إنَّ التحليل الاقتصادي الموجه للاعلام مهمة شاقة تتطلب البحث من خلال عدة مصادر موثوقة ضمن سلسلة من الحقائق والمتطلبات المهمة أهمها: ان يكون مؤهل علمياً في أيٍ من فروع علم الاقتصاد وعلى صلة مستمرة بالمحتوى الاقتصادي أكاديمياً وتحليلاً وان لايُزج بالمختصين في العلوم الاخرى في اي طرح أو تحليل اقتصادي وأن تكون لدى المحلل الاقتصادي نظرية اقتصادية يؤمن بها ويتبنى أطروحاتها ويدافع عنها بقيّم اخلاقية ومنطقية وأن يكون متفائلاً في القضايا الاقتصادية ولا يُسوق لتوقعات سلبية أو تشاؤمية وأن لايوظف التحليلات الاقتصادية لخدمته الشخصية او لأي اجندات أُخرى يرى انها ستفيده وأن تستند أرقامه ومؤشراته وتنبؤاته على الواقعية والتوازن وعدم المبالغة لجذب الإثارة وأن يراعي حقوق الملكية الفكرية للكتاب والمحللين الآخرين دون اقتصاص اي جزئية إلا بالإشارة إليهم .
مجمل القول: التنسيق بين وسائل الاعلام والجامعات خطوة مهمة نحو الامام لوضع خطة عمل طموحة لتقريب المسافة بين الحاجة والندرة فآفاق الاعلام الاقتصادي واسعة ومع الانتشار الهائل للإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي وتعاظم معطيات الاقتصاد الرقمي يبق المجال اكثر اتساعاً كما ان الأنشطة الاقتصادية في تطور وتزدهر تباعاً وهذا ايضا يحتاج الى خطاب اقتصادي اكثر وعياً .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال