الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
م. أحمد غميص الزهراني
في مجتمعنا الوظيفي نجد أن العديد من منظمات الأعمال اختزلت علاقاتها مع العاملين لديها على بنود عقد عمل مكتوب أو غير مكتوب مهما كان نوعه سواءاً محدداً للمدة أو غير محدداً للمدة أو لإنهاء نشاط ما, حيث تم تأسيس العلاقة العمالية بين الطرفين على أسس الإلتزام بتنفيذ هذه البنود دون النظر إلى أي مقومات أو جوانب أخرى تزيد من قوة وترابط هذه العلاقة. وتباعاً لذلك تجد أن أي اخلال أو انتهاك لأحد بنود هذا العقد من أي من الطرفين سيترتب عليه نشوء خلافات عمالية وهي بذرة بداية انهيار العلاقة العمالية بين الطرفين والتي ستصل لطرق أبواب المحاكم العمالية حتى تنتهي بمغادرة العامل للمنشأة وارتفاع نسبة تسرب العاملين بها وانخفاض معدل الاستقرار الوظيفي لديها. لذا استطيع القول ومن وجهة نظري أن هذه العلاقة وإن طالت مدتها فهي قصيرة كونها تقتصر على تبادل نشاطات اقتصادية أو صناعية أو زراعية أو نحوها مقابل جهد يقوم به العامل دون النظر إلى أي جوانب انسانية أخرى.
في المقابل نجد منظمات أعمال أخرى تؤمن بأن أساس نجاحها يعتمد على جودة العلاقة بينها وبين العاملين لديها لذا فهي تركّز بشكل رئيسي في علاقاتها مع العاملين لديها بجانب عقد العمل إلى ما يسمى بالعقد النفسي (Psychological Contract) والذي يعتبر من المفاهيم التي تم التركيز عليها حديثاً في عالم إدارة الموارد البشرية رغم قدم نشأته والتي تعود كما أشار الباحثون إلى ثلاثينيات القرن الماضي تلتها دراسات وبحوث في هذا المجال كان أبرزها ماقام به ارجريس عام 1960م لدراسة أسماها بعقد العمل النفسي والتي تركزت على تحليل العلاقة بين الأفراد ومشرفيهم ومعرفة الجوانب التي تساعد على بناء علاقات جيدة من خلال توقعات متبادلة بينهم تزيد من روابط العلاقة العمالية.
ومن هنا نستطيع تعريف عقد العمل النفسي بأنه عقد غير مكتوب مبني على التصورات والوعود والتوقعات والاعتقادات التي يحملها كل طرف من أطراف العلاقة (العامل وصاحب العمل) تجاه الآخر حيث يشكل هذا العقد الإطار العام للتعامل بين الطرفين. فالعامل يتوقع من صاحب العمل جوانب عدة تدفعه للبقاء في العمل واستمراره فيه وتزيد من رضاه واستقراره الوظيفي كالتدريب والتطوير المستمر, حسن التعامل, تبادل الاحترام, المشاركة في اتخاذ القرار, المساواة, الأمان الوظيفي, علاقات عمل جيدة, بيئة عمل محفزة, الدعم وغيرها الكثير. في المقابل ولاكتمال هذه المنظومة لتصبح العلاقة العمالية قوية ومستمرة للزمن البعيد فإن صاحب العمل يتوقع من العامل جوانب أخرى كالإخلاص في العمل واتقانه, الأمانة, الالتزام بقيم المنشأة وتحقيق أهدافها, تحمل ضغط العمل, الابتكار والإبداع في العمل, المبادرة, ابداء روح التعاون مع فريق العمل, الحماس, التأقلم مع التغيير ونحوها.
من خلال ماسبق ذكره نجد أنه عقد العمل النفسي هو ضمني بين الطرفين كونه قائم على وعود وتصورات ضمنية لا تكتب ضمن اتفاق رسمي بين الطرفين ولكنه هو أساس العلاقة العمالية حيث أن أي اخلال أو اختراق لهذا العقد فإنه سيؤثر سلبياً بشكل مباشر على جودة العلاقة بين العاملين وصاحب العمل وبالتالي ستقلّل من معدل الرضا والاستقرار الوظيفي بالمنشأة حيث أثبتت الدراسات والتجارب السابقة أن أحد أهم أسرار رضا العاملين واستقرارهم الوظيفي بالمنشأة وارتفاع نسبة ولاءهم الوظيفي لها يعود إلى قوة وصلابة العقد النفسي بين الطرفين والتزام كل طرف بوعوده.
وختاماً, أتمنى من منظمات الأعمال في مجتمعنا الوظيفي تطوير العلاقة بينها وبين العاملين لديها وإدارتها بطرق ذكية وذلك من خلال تسليط الضوء بشكل أكبر على العقد النفسي مع العاملين لديها والالتزام بجميع وعودها كونه هو الركيزة الرئيسية لنجاحها وارتفاع ميزتها التنافسية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال