الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في بداية السبعينات الميلادية نشأت في أحد القرى الصغيرة معامل صغيرة لصناعة القطران وهو طلاء متعدد الاستخدامات للأدوات المنزلية وغيرها ، حيث تستثمر الاسر المنتجة آنذاك في هذه الصناعة ، وكانت هذه المعامل بجوار سوق القرية تسهيلا لعمليات النقل والتسويق بيد أن ما احدثته هذه المعامل من تلوث عزا بأهل القرية الى أخذ تدابير حازمة لنقلها الى امكان بعيدة إلا ان التكلفة اصبحت عالية فارتفعت الأسعار حتى اصبحت لاحقاً الطلاء المستورد أرخص فاندثرت بالتالي هذه الصناعة نهائياً ، هذه القصة تقودنا اليوم الى اكبر قضايا الاقتصاد أشكالاً وهي التلوث البيئي والمناخي وتصاعد مستوى الكربونات واهمية المضي قُدماً في خلق حراك استثماري لموجّهة تنامي الطلب في الأسواق على السلع والخدمات الخضراء، والابتكارات التكنولوجية في مكونات الاقتصاد البيئي او الاقتصاد الأخضر وتعزيز كفاءة استخدام الموارد وهذا بدوره سيؤدِّي إلى تحسين الجوانب الصحية والبيئية والحد من مخاطر انبعاثات الكربون والنفايات والتلوّث.
لقد تابع العالم مؤخرا قلق حرائق الامازون والتي دهورت كثيرا التنوّع الأحيائي والنظام الإيكولوجي وتوازن الموارد الطبيعية وأصبحت بالتالي مثل هذه القضايا أحد اهم اجندات المؤتمرات والاجتماعات العالمية وقد نوهت الوثيقة الختامية لمؤتمر ريو + 20 الى ان المستقبل المأمول يأتي في سياق الاقتصاد الأخضر والتنمية المستدامة كما دعت منظمة الأمم المتحدة إلى دعم البلدان المهتمة بالاقتصاد الأخضر من خلال إيجاد الأنماط الملائمة وتوفير الأدوات والمنهجيات، وتوجيه الاستثمارات نحو بناء رأس المال الطبيعي إضافة الى الوفاء بالتزامات اتفاق باريس المناخي مما سيتطلب المزيد من التعاون الدولي نحو تكريس الجهود للمحافظة على البيئية والمناخ
إن الأنشطة الاقتصادية اليومية التي يقوم بها الإنسان مرتبطة بالبيئة وذلك من خلال استخدام أنواع الموارد والمواد المختلفة وكخطوة في طريق النمو الاقتصادي فإنه من الضروري تقدير أهمية المنتجات والخدمات التي تقدمها لنا الأنظمة البيئية على الأرض للحفاظ على استدامة الموارد والطاقة دون الإخلال بتوازن البيئة الطبيعية بدءاً من المستهلك والذي يتطلب معه رفع الوعي بالطرق المثلى للتخلص من النفايات وانتهاء بالمصانع والمتاجر التي من المفترض ان تعمل على معايير البيئة لتنقية المناخ وصناعة المنتجات الآمنة القابلة للتدوير او التسميد.
لقد حمل التقرير الأخير الصادر عن الهيئة العامة للإحصاء أرقاماً عن التوزيع النسبي لطرق التخلص من المخلفات والنفوق في الحيزات الزراعية لعام 2017 اي ما تم استغلاله من تلك المخلفات كأسمدة زراعية ونجاح هذه الخطوة الفاعلة في الاستفادة من هذه الميزة وهو ما يؤشر الى ان تعزيز مقومات الاستثمار فيه قوية وتبق الآمال معقودة على القطاع الخاص والمستثمرين في دعم هذه الصناعة ، وكنت قد قرأت خبراً صحفياَ العام الماضي عن قيام أحد الأمانات بتوقيع مذكرة تفاهم مع احد شركات القطاع الخاص للبدء الاستثماري من اعادة تدوير النفايات إلا ان هذا المشروع لم يعلن عنه شيئاً بعد تلك الاتفاقية في حين انه قد كُشف النقاب قبل أيام قليلة عن أول مشروع يحول النفايات الصلبة الى طاقة ومصنع آخر لإعادة تدوير مخلفات البناء بالرياض ضمن مستهدفات إعادة التدوير لـ 47% من حجم نفايات البناء سنويا بالرياض وإعادة تدوير قرابة 20 مليون طن من مخلفات البناء لتكون مواد قابلة للاستخدام بينما الوضع الحالي ما يتم تدويره هو 10% فقط وهو ما يؤشر الى أهمية الاستثمار في اقتصاديات البيئة لما ستخلقه من آفاق واعدة لتحقيق العائد الاقتصادي من جهة ومن جهة اخرى المحافظة على بيئة نقية ، لقد بات الاقتصاد الأخضر اليوم أداة مهمة لتحقيق التنمية المستدامة يجمع في شكل تكاملي الأبعاد البيئية والاجتماعية والاقتصادية والتقنية أو الإدارية يرتكز على كفاءة الموارد وعلى أنماط الاستهلاك والإنتاج المستدام وصولا الى أداء فاعل ومنظم وفق نموذج لجعل الاعمال أكثر استدامة فتقلل من استهلاك الموارد الطبيعية كأحد اهم مفاهيم الاقتصاد الإنتاجي .
مجمل القول : أكدت مستهدفات رؤية المملكة 2030 في محور مجتمع حيوي على بيئة المواطنين العامرة واكدت ايضا على ان سعادة المواطنين والمقيمين على رأس الأولويات، وسعادتهم لا تتم دون اكتمال صحتهم البدنية والنفسية والاجتماعية، وهنا تكمن أهمية الرؤية في بناء مجتمع ينعم أفراده بنمط حياة صحّي، ومحيط يتيح العيش في بيئة إيجابية وجاذبة هذا من جهة ومن جهة أخرى خلق الفرص الاستثمارية النوعية في هذا المجال وما نحتاجه اليوم أيضا هو تعزيز ثقافة وقيم الاستهلاك البيئي النظيف للمجتمع وتوفير المواد الصديقة للبيئة ، هذه الثقافة تكون من محورين المنتج الذي يقوم بإنتاج السلع والمواد الصديقة للبيئة والمستهلك الذي سيعزز من قيمه الاستهلاكية من خلال هذه السلع والمواد وتضافر المجتمع والقطاعات ذات العلاقة ووسائل الاعلام مهم لتعزيز هذه الثقافة ونتطلع الى انتشار هذه المبادرات والبرامج في شكل شمولي فهناك الكثير من القطاعات المستهدفة لخلق اطار استثماري تكاملي في مجال اقتصاديات البيئة مثل قطاع الطاقة المتجددة وقطاع الصناعة وقطاع الزراعة وقطاع السياحة و القطاع الصحي وقطاع التعليم وخاصة في جانب الورق وقطاع النقل .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال