الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تشغل ساعات العمل حيزاً كبيراً من أوقات حياتنا وبالتالي فإن كل ما يحيط بالعمل من ظروف وتقلبات سيكون له الأثر الكبير على جوانب حياتنا الأخرى كالجوانب الصحية والاجتماعية ونحوها. ومن هذا المنطلق ولكي يكون الشخص سعيداً ومبدعاً في عمله قدر الإمكان فإن اختياره لمساره المهني أو التخصص المناسب له أمر بالغ الأهمية ويجب أن يكون وفق خطة موضوعة مسبقاً تبدأ بتحليله لذاته وشخصيته ومعرفة هواياته وميوله المهنية ونقاط قوته والمهارات التي يمتلكها وذلك بمساعدة أدوات واختبارات مقننة تم بناؤها للمساعدة في توجيهه لبيئة عمل مناسبة وملائمة لميوله وقدراته والحد من هدر طاقاته في أعمال لا تتناسب مع رغباته واهتماماته.
وبعد الحصول على النتائج المطلوبة من الخطوة الأولى (تحليل الذات) تأتي الخطوة الأهم وهي اختيار التخصص أو المهنة المناسبة حيث يتم استخدام أدوات لمساعدته في ذلك كإجراء المقابلات الشخصية للأشخاص العاملين في هذه المهنة أو من سبق لهم العمل فيها, أو قراءة الوصف الوظيفي لها وما يتخلله من مهام ومسؤوليات وظروف عمل ونحوها, كما يمكنه الإطلاع على تقارير سوق العمل والتي تصدرها الشركات الاستشارية المتخصصة في هذا المجال وذلك لمعرفة مستقبل الوظيفة ومتوسط أجرها وخلافه. علاوة على ذلك, هناك أداة بالغة الأهمية تستخدم في عملية اختيار التخصص أو المسار المهني المناسب وهي محور حديثنا في هذه المقالة حيث أن لها النصيب الأكبر في التأثير على عملية الاختيار ولكن للأسف لم يتم تفعيلها من قبل أغلب المختصين في مجتمعنا. إنها عملية الظل الوظيفي أو ما يسمى في المجتمع الغربي بـ (Career Shadowing).
يمكن تعريف عملية الظل الوظيفي بأنها أحد أشكال التدريب على رأس العمل وفيه يقوم المتدرب وهو ما يسمى في هذه العملية بـ(الظل) بملازمة موظف متخصص في المهنة المطلوبة يكون مؤهلاً وذو خبرة وكفاءة عالية ويسمى في هذه العملية بـ(المرشد) ويتبعه كظله لفترة محدودة خلال أداء مهامه اليومية وذلك لتعزيز المعلومات التي يمتلكها حول هذه المهنة والربط بينها وبين الجانب العملي ومعرفة ما إذا كانت مهاراته وإمكانياته وميوله قادرة على إكمال الطريق في هذا المسار المهني أم لا.
إن عملية الظل الوظيفي يجب أن يتم تبنيها من قبل وزارة التعليم ابتداءاً من مرحلة الثانوية العامة وتحت اشراف مختصين في هذا المجال وذلك لمساعدة الطلاب/الطالبات في تحديد مستقبلهم المهني وتكوين صورة عنه وتسهيل اختيار الكلية والتخصص المناسب والملائم لهم وذلك من خلال ربط الجانب العملي بالنظري لتكتمل الصورة لديهم عند عملية الاختيار والحد من اهدار أوقاتهم وطاقاتهم في تخصصات لا تلائمهم. أيضاً فإن الجامعات والكليات يجب أن يكون لها دور كبير في هذا الشأن وذلك من خلال تقنين وتفعيل برامج الظل الوظيفي لطلاب السنة التحضيرية حتى يتم تمكينهم نظرياً وعملياً من معرفة التخصص أو المسار المهني المستقبلي لهم. فبرامج التدريب (Internship) التي تقدمها الجامعة بنوعيها سواءاً تدريب صيفي (Summer Training) أو تدريب تعاوني (Coop Training) هي مجرد متطلبات للتخرج ولمعرفة بيئة العمل بشكل عام كونها تقدم في نهاية المرحلة الجامعية وربما تنتهي بدون أي فائدة على الطالب/الطالبة. ومن هنا وبالتعاون مع المؤسسات الحكومية وشركات القطاع الخاص يجب على جامعاتنا وكلياتنا تطبيق برامج الظل الوظيفي خلال السنة التحضيرية وتحت اشراف مختصين تهدف إلى مساعدتهم في التخطيط السليم في اختيار المسار المهني المناسب وتزيد من تألقهم وابداعاتهم في بيئة العمل المستقبلية مما سيعود نفعاً على وطننا الغالي.
أيضاً فإن برامج الظل الوظيفي يمكن أن تطبق في مجال مجتمعنا الوظيفي من خلال برامج الإحلال والتعاقب الوظيفي وهو عملية تجهيز وتأهيل الصف الثاني من قيادات المنشأة وذلك للحفاظ على استقرار المنشأة واستمراريتها وفق الأداء المطلوب دون أي خلل أو تعطل. فاستخدام عملية الظل الوظيفي في مثل هذه البرامج ستساعد في ترسيخ المهام والمسؤوليات المتعلقة بالوظيفة لدى الشخص المرشح عليها لربطه الجزء النظري مع العملي حيث أنه حسب نظرية العالم ادجار ديلز فإن عملية التطبيق ستضمن تذكر 90% مما يتعلمه الفرد.
ولنجاح عملية الظل الوظيفي هناك بعض النصائح يجب الأخذ بها حتى نضمن نجاح هذه العملية والوصول إلى الأهداف المرجوة لها:
أولاً: يجب تحديد الجهة والمهنة التي سيتم من خلالها تطبيق برنامج الظل الوظيفي.
ثانياً: يجب تحديد المرشد الذي سيتعلم منه المتدرب على أن يكون من الموظفين المتخصصين في المهنة المطلوبة وذو خبرة وكفاءة عالية.
ثالثاً: يجب إعداد الأسئلة التي يرغب المتدرب (الظل) بمعرفتها عن المهنة لكي يقوم بتوجيهها للمرشد أثناء عملية الظل الوظيفي.
رابعاً: التقيد بالزي المهني للمهنة كونك في مكان عمل.
خامساً: تسجيل الملاحظات والأفكار أثناء عملية الظل الوظيفي أولاً بأول.
سادساً: اختيار الوقت المناسب لعملية الظل الوظيفي وأن تكون في فترات قصيرة ومحددة حيث أن بعض الأوقات يكون المرشد فيها في إجازة أو أنه غير مستعد لتعليم أي شخص آخر نظراً لقيامه بأعمال هامة ويجب إنجازها فوراً دون تعطل.
سابعاً: المتابعة المستمرة من قبل الجهة المسؤولة عن المتدرب (الظل) والتأكد من تطبيق العملية بشكل فعّال ووفق الأهداف الموضوعة لها.
ثامناً: تحفيز المرشد من خلال مكافأته مالياً أو معنوياً حتى يتم تشجيعه لتبني المتدرب (الظل) والاهتمام به.
والآن وبعد أن تعرفنا على عملية الظل الوظيفي وأهميتها أما آن الآوان أن يتم تطبيقها بشكل فعّال من قبل مؤسساتنا التعليمية والحكومية وشركات القطاع الخاص وذلك من أجل المساهمة بشكل فعَّال في عدم إهدار الطاقات البشرية والمادية في وطننا الغالي وتحقيق أكبر فائدة للمجتمع.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال