الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يقوم أي اقتصاد على المعلومة المتراكمة لبناء ادواته التخطيطية والتشريعية والتنفيذية والرقابية. وذلك لأجل تفعيل الأنشطة والفعاليات والمعاملات ذات العوائد المادية وغير المادية على دولته ومجتمعه. اليوم، نسمع مصطلح “الاقتصاد الرقمي”. وهو في ابسط تعريف له ليس أكثر من شبك كلمة “رقمي” في كلمة “اقتصاد” بسبب توظيف التقنيات الحديثة في بناء قواعد بيانات ضخمة وبرمجيات ذكية لتقديم المعلومة – التي يحتاجها متخذ القرار – بشكل أسرع وأعلى كفاءة وبقدرة تنافسية أفضل.
الاقتصاد الرقمي هو نتاج تطور مذهل ومستمر ومتسارع في تقنية الاتصالات وإدارة المعلومات. ومتزايدة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، وتحليلات البيانات الكبيرة، والسحابات. هذا أحدث تغييرات جذرية لا يمكن انكارها في كل مفاصل الحياة بل وربط العالم كله ببعض.
الجميل هنا هو أن التحول الى الاقتصاد الرقمي أصبح متاح للجميع كدول وشركات كبرى، بل ورواد لبناء منظومات تجارية قوية وكبيرة مستقبلاً. ولكن الغير جميل فيه هو أن التحول للاقتصاد الرقمي ربما يضعه رهينة لدى الشركات المقدمة لتقنيات المعلومات وقواعد المعلومات وبرمجياتها الذكية. ذلك بسبب احتكار هذه الشركات المقدمة لابتكاراتها المقدمة في شكل أدوات وخدمات.
والسؤال هنا: كيف تكون الاقتصادات الرقمية الناشئة رهينة لمقدمي التقنيات؟
مع مرور الوقت والاعتماد على هذه التقنيات، سيمارس ملاك هذه التقنيات عملية الاستحلاب مقابل السماح لتقنياتهم أن تخدم اقتصاد ما – أعتمد عليها – في بناء تشريعاته وسياساته ومتابعاته. وهذا أثر لا يقل خطورة عن أثر تهديدات قراصنة المعلومات الممارسين لأسلوب “هجوم الفدية” Ransomware.
تشير دراسة للبنك الدولي في اقتصاديات الإنترنت إلى أن هذه الشركات تميل نحو الاحتكار خاصة في منصات البرمجة والبيئات التشغيلية والوظائف المرتبطة بهما. وبدلاً من أن تخدم هذه التقنيات متطلبات مستخدميها فقط، تتحول الى تقنيات تحكُّم شرسة مادياً وربما أكثر من مادية. الشركات التي تقدم التقنيات الحديثة للاقتصادات الرقمية من حقها ان تربح وتستفيد من ابتكاراتها. ولكن في نفس الوقت الاحتكار الذي تقوم به ربما يضع الاقتصادات الرقمية الناشئة تحت رحمتهم.
لا أحد يستطيع أن يتنبأ بما يخبئه المستقبل للاقتصادات الرقمية الناشئة. ولكن مهم على هذه الاقتصادات المتوجهة نحو الرقمنة أن تفكر جدياً في تملك تقنياتها أو على الأقل المشاركة في تملك التقنيات التي تستخدمها بشكل او بآخر. أو في أسوأ الظروف ان لا تعتمد على منصات وبيئات تشغيل واحدة ولكن متعددة ومن مصادر متعددة أيضاً. كما فعلت الصين وألمانيا وعدة دول أخرى.
المتغيرات المتسارعة في التقنيات والادمان عليها – الذي لا مفر منه – ستضع الاقتصادات الرقمية الناشئة أمام واقع مؤلم جداً إذا لم تتدارك الموقف وكسب الوقت المتبقي أمامها في العمل على تنفيذ خطط استراتيجية جادة نحو تملك التقنيات التي تحتاجها وتطويرها ذاتياً مهما كلف الأمر.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال