الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
نجاح أرامكو السعودية عقب كل هجوم في درء المخاطر وحصر الأضرار وإعادة الانتاج لمعدلاته السابقة لم يكن وليد اللحظة وإنما نتاجًا لتراكم خبرات الشركة عبر عقود في التعامل مع الطوارئ والتهديدات واستباقًا لأخرى لم تعهدها الصناعة النفطية من قبل كالهجمات الالكترونية والصاروخية.
يصعب اختزال استراتيجية أرامكو السعودية في درء المخاطر وإدارة الأزمات في مقال واحد لكنها بشكل عام تتمحور إدارة الأزمات في الشركة حول غرفة العمليات التي يتم تشكيلها على الفور في حالة الطوارئ مستندة على لوائح وأنظمة وخطط مدروسة مسبقًا. يتم التنسيق بين هذه الغرفة وإدارة الشركة وعدد من الجهات الحكومية ذات الصلة ولديها من الصلاحيات ما يكفيها لتفعيل خطط الطوارئ ومتابعة الأحداث.
تستند خطط الطوارئ بشكل كبير على تأمين وتفعيل مسارات بديلة في حال تعذّر الانتاج إما بسبب تآكل الأنابيب وهي أمور نادرًا ما تحدث بسبب الصيانة الدورية أو نشوب حرائق كما جرى في حريق إحدى خزانات مصفاة النفط في يوليو 2018 أو غيرها والأهم مما سبق حصر الأضرار في نطاق ضيق بما يضمن سلامة العاملين والمنشآت بأكملها.
خلال اعتداءات مجمعي بقيق وخريص، برهنت غرفة العمليات كفاءتها إذ سرعان ما تم احتواء الحرائق بسرعة وباحترافية عالية وذلك عبر تحويل خطوط الإمدادات بعيدًا عن المناطق المستهدفة وإخماد الحرائق على يد إطفائيين على مستوى عالي من التدريب والأهم مما سبق إجلاء الموظفين وأسرهم من المنطقة دون إصابات بشرية ولله الحمد.
في هذا الهجوم، تم استخدام 25 طائرة مسيرة وصواريخ حلقت على ارتفاع منخفض بهدف شل قدرة المملكة على الانتاج بالكامل لفترة طويلة لكن كفاءة الفريق القائم ساهمت في إخماد الحرائق وحصر الأضرار وهو أمر لم يكن في الحسبان لدى المنفذين.
في غضون 24 ساعة صدر بيان رسمي من سمو وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان حفظه الله بتضرر 50% من إنتاج المملكة والتزام السعودية بتعويض النقص من خلال المخزونات تلاها في يومين مؤتمر صحفي أعلن فيه سموه عن عودة إنتاج المملكة لمعدلاته السابق مع جدول زمني لعودة إنتاج مجمعي بقيق وخريص تدريجيًا.
أليس الاعتداءات شبيهة بالقصف الجوي الإيطالي أو ما قامت بها القوات العراقية من تطبيق لسياسة الأرض المحروقة عقب انسحابها من الكويت؟
أشرت سابقًا إلى زيادة وتيرة الاعتداءات وكثافتها قبيل سريان العقوبات الأمريكية على صادرات إيران من النفط وهي العقوبات الأشد التي تم تطبيقها منذ قيام الثورة الإيرانية. تعتمد إيران كغيرها من الدول المصدرة للنفط على عوائد النفط في تمويل ميزانياتها وهي تشهد في هذه اللحظات احتجاجات داخلية بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية بعد انخفاض صادراتها النفطية لأقل معدلات تارخية منذ قيام الثورة الإيرانية.
لطالما فاخرت السعودية بكونها منتج معتمد لإمدادات النفط وتملك طاقة انتاج فائضة تتحكم من خلالها بإمدادت النفط، لكن النظام الإيراني لم يعجبه ذلك وآثر أن يلقي اللوم والفشل على المملكة على أن يلتفت لشعبه وطلباته. استهدف تفجير مجمعي بقيق وخريص إثارة الخوف والرهبة في محاولة منها لاستفزار المملكة ودفعها لاتخاذ قرارات تصب في مصلحة النظام لكن سرعة ردة الحكومة وكفاءة أرامكو السعودية خلال الأزمة حالت دون تحقيق هذا الهدف.
أراد النظام الإيراني تدمير هذه الامكانيات وإثارة الهلع في تداولات النفط والتي بالفعل ارتفعت خلال تداولات برنت التي تلت الاعتدءات بما يقارب الـ 20%. عرض النظام الإيراني تعويض النقص وذلك بتحرير القيود المفروضة على صادراته النفطية لكن عودة إنتاج أرامكو السعودية تضمنت رسالة للجميع بأن المملكة كانت وما زالت المنتج الرئيسي المعتمد للنفط عالميًا.
لعل أجمل وصف قرأته عن هذا الهجوم هو تصرحي المندوب الكويتي السفير منصور العتيبي في مجلس الأمن الذي وصف الاعتداء بالجبان خلال الجلسة التي تلت الهجوم. أنكر النظام الإيراني قيامه بالاعتداء كما أنكر العمليات التي سبقتها ليس لشئ وإنما لعجزه عن مواجهة الحقائق كعجزه عن مواجهة شعبه واستخدام العنف معهم وقمع مطالبتاهم.
عبر تاريخها، عانت الصناعة النفطية السعودية من الاعتداءات المتكررة والتي تنوعت فيها الوسائل والمنفذين. فشلت جميعها في تحقيق مبتغاها وفي كل مرة تعززت مصداقية المملكة كمنتج رئيسي معتمد للنفط والأحداث الأخيرة هي خير برهان.
هل ستتكرر الهجمات مستقبلًا؟ قبل كل شئ نتمنى عدم تكرار الاعتداءات. من الصعب التكهن بما سيحدث مستقبلًا وجميع الاحتمالات واردة طالما هنالك من يبيت الضغينة للمملكة ومقدرات الوطن. أيًا كان مصدر الهجمات ونوعيتها، فإني على يقين بأن حكومتنا والصناعة النفطية السعودية ستتعامل معها وتتجاوزها كما تجاوزتها من قبل، والتاريخ خير شاهد. هذا والله أعلم.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال