3666 144 055
[email protected]
يُحسب للعالم الاقتصادي ثورستين فيبلين أنه من وضع حجر الأساس في العام 1919م لهذا الفكر الجديد والذي ربط من خلاله التطور التكنولوجي بتشكيل المجتمع على نحو مؤسسي أوسع وذلك بدراسة وتحليل الأسواق وتفاعلها مع مختلف المؤسسات للخروج بسلوك اقتصادي جديد يرتكز على تطوير المجتمعات والنهوض بقدراتها الإبداعية ومن ثم استمر هذا الفكر كممارسة وفقاً للمتغيرات والظروف الاقتصادية المختلفة متباينا فيما بين الأهمية والتلاشي ، لقد كان دوغلاس سي نورث الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 1993 من أبرز المساهمين في هذا المجال في كتاباته عن التاريخ الاقتصادي الأمريكي والأوروبي وفي كتابه الأخير فهم عملية التغيير الاقتصادي شرح دوغلاس أهمية المؤسسات لتحسين الحالة الإنسانية والصعوبات في تطوير النظريات والسياسات لتحسين المجتمع ، وتتمثل نقطة انطلاق نورث في التأكيد على عدم اليقين المتأصل وعدم القدرة على التنبؤ بالعالم الذي يعيش فيه الإنسان .
تبرز أهمية الاقتصاد المؤسسي الحديث THE NEW INSTITUTIONAL ECONOMICS في الدور الذي تلعبه المؤسسات في التأثير الذي يكسب زخماً نحو الأداء الاقتصادي المثالي ومن ثم دراسة الموضوعات الاقتصادية وربطها بالجانب المؤسسي في التحليل وصولاً الى فهم أفضل بما يضمن الكفاءة في النظام الاقتصادي ، ومن ادواره المجتمعية الرئيسية انه يساهم في تخفيض تكاليف الإنتاج ويرفع من كفاءة الأسواق وحماية المنافسة وتحقيق معدلات مرتفعة من النمو المستدام ، كما ان هناك علاقة وطيدة بين المعرفة والاقتصاد المؤسسي من خلال رفع مستوى المعرفة المجتمعية والبنى اللازمة لها لرفع مستواها على نحو من التكامل المعرفي لتطوير قدرات النمو المعرفي في جوانب عديدة تأتي من أهمها الجوانب التشغيلية والتكنولوجية .
تعد الهند احد النماذج الناجحة في الاقتصاد المؤسسي فقد استطاعت ان تقفز خلال فترة قصيرة في تحقيق معدلات عالية في الاقتصاد المعرفي وخاصة تكنولوجيا المعلومات والبرمجيات وقد بدأت ذلك من خلال احداث تغيير وتحول فاعل في المؤسسات الرسمية وغير الرسمية فأصبح لديها اليوم قوة في الصناعات التكنولوجية والتقنية الحيوية والهامة مما خلق مساحات واسعة من التنافسية العالية في التعليم وجدية الالتزام في التعامل مع معطيات الانشطة التقنية امام شبابها بطموحات وشغف ودافعية اكبر تجاه العمل التقني والعمل على تطوير قدراتهم بشكل مستمر وهو ما أدى الى احداث تحولات في العمل المؤسسي الناجح والمتميز أسهم تباعاً في نمو اقتصادها.
إن من اهم التحديات التي تواجه هذا النوع من الاقتصاد هو العنصر البشري الماهر لأن الانسان ببساطة هو من سيولد الأفكار وبناء مهاراته المعرفية وتحويل ذلك الى طاقة إنتاجية من السلع والخدمات بيد أنَّ الاقتصاد المؤسسي في كافة مكوناته له أهمية كبيرة في مختلف القطاعات وبالتالي فإن نجاحه يتطلب تضافراً للجهود تنطوي تحت حزم واسعة من خطط العمل التنفيذية وتحليل كافة الأبعاد في أي نشاط اقتصادي وربطه بالأفكار البحثية في أي مجتمع مع تحليل كافة التغيرات في حجم السوق والتقدم التكنولوجي و نظام الابتكار ورسم مجموعة من القواعد الرسمية والقوانين والأنظمة والحوكمة ، ولذلك يسعى الاقتصاد المؤسسي إلى تقديم فهم أفضل وأكثر واقعية لعمل النظام الاقتصادي.
يأتي الاقتصاد المؤسسي الحديث كمحاولة لدمج نظرية المؤسسات وسلوكها في علم الاقتصاد أي انه يعمل بطريقة جديدة تشمل أفكار النظرية الكلاسيكية الجديدة مع التوسع والتطوير في مكوناتها المتعلقة بمجموعة القضايا في الاقتصادين الجزئي والكلي وبالتالي تفتح المجال الى إمكانية التنبؤ بالخيارات التي سيتخذها صانع القرار ضمن منظومة مؤسساتية على نطاق واسع مع البيئات المختلفة أي انه امتدادا واستكمالا لهذه النظرية ومن خلال هذه المنطلقات يهدف الاقتصاد المؤسسي الحديث يُحدث ابعادا وأسس اقتصادية أوسع على الإنتاجية بما يحقق معايير الرفاه و إعادة الهيكلة الأساسية للنشاط الاقتصادي كالتكاليف وتقسيم العمل ودمج الكيانات على نطاق المجتمع بأكمله ومن ثم التفاعل المستمر للمؤسسات والمنظمات في الجانب الاقتصادي الذي يعتمد على المنافسة كمفتاح التغيير المؤسسي وأيضا في جانب الأنظمة التي تشكل الأداء الاقتصادي حتى تتحقق معالجة قضايا النمو الاقتصادي على المدى القصير والطويل دون تداخلات لأي أنظمة او اتجاهات لا تنطوي على القانون والحريات المختلفة .
مجمل القول :
الاقتصاد المؤسسي الحديث نتاج فكري يجمع بين الاقتصاد والقانون والتنظيم والعلوم السياسية وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا على نحو يسهم معه فهم أوسع في جانب الممارسات تجاه المؤسسات الاقتصادية وغيرها والتي بدورها ستعمل وفق عمل تكاملي واسع يفتح المجال امام الكوادر البشرية بتمكين قدراتهم وتفسيرها على نحو عملي يرقى الى المهارة العالية و الابتكار يتسع معه المناخ الواسع من فضاءات الاقتصاد المعرفي وعليه فإن الاضطلاع بدور الممارسة بفكر الاقتصاد المؤسسي الحديث هو أيضا سوف يعزز من النمو الاقتصادي ، ولتحقيق فاعلية في مفاهيمه وثقافته لايزال الأمر بحاجة ماسة الى المزيد من الدراسات والأبحاث المتعلقة بذلك عطفاً على تحقيق معدلات نمو مرتفعة وتنمية اقتصادية مستدامة .
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734