الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في كثير من الأحيان تجعلنا التجارب الشخصية الفاشلة نعتقد بأننا قد قمنا بقرارات سيئة، وقد تبدو الصورة من الوهلة الاولى بانها فعلا كانت كذلك. لكن عند التمعن اكثر بتلك القرارات التي سبقت تلك التجارب الفاشلة، سنجد بأنه في اغلب الاحيان كانت تلك القرارات الصادرة من قبلنا، قرارات أقرب إلى المنطقية وفقا لمعطيات وظروف ذلك الوقت.
للتبسيط، ومن خلال هذه السطور، أود أن استعرض معك عزيزي القارئ ثلاثة أمثلة ( قصص)، اوضح من خلالها مدى تأثر قرارتنا بمحدودية خياراتنا:
نأخذ قصة حمد على سبيل المثال. حمد طالب خليجي ذهب لدراسة الطب في روسيا، وهو لا يتحدث اللغة الروسية. شعر حمد هناك بالوحدة والغربة ووحشتها. حاول حمد بأن يبحث عن أصدقاء من الجالية العربية، لكن لم يكن هناك عربي واحد في المنطقة التي يقطنها. شعر حمد بأنه العربي الوحيد في المدينة.
بعد مرور فترة زمنية غير قصيرة على تواجد حمد في روسيا، واستمرار شعوره بمرارة الغربة، استطاع اخيرا التعرف على شاب عربي يحسن التحدث باللغتين العربية والروسية.
فرح حمد، فوجود مثل هذا الشخص (الشاب العربي) في حياته سيسهل عليه الكثير من الامور. أمور كثيرة، أبسطها التفاهم مع صاحب المتجر، وأصعبها تخليص بعض المعاملات الحكومية الخاصة بحمد.
بعد مرور فترة على علاقة الاثنان (حمد والشاب العربي)، اكتشف حمد بأن صديقة العربي هذا يتاجر بالممنوعات. انزعج حمد كثيرا عندما علم بالأمر، ولام نفسه على اختيار صديق مثل هذا الشاب العربي المتهور.
القصة الثانية:
دخل راشد السجن بتهمة اخلاقية. أمضى راشد بالسجن اكثر من ثمان سنوات. عند خروجه من السجن قرر بأن يتوب الى لله، يكمل دينه ويتزوج. بسبب التهمة التي تسببت بسجنه، لم يقبل احد من محيطه تزويجه. بسبب رفض الأسر في المدينة الذي يقطنها، قرر راشد الابتعاد قدر الامكان عن محيطه الاجتماعي بل وحتى الثقافي والزواج من الخارج، راجيا من ذلك فرص اكبر للنجاح. تزوج راشد، لكنه لم ينسجم مع زوجته التي لم تكن من دائرة محيطة الاجتماعي، بعد مرور أقل من عام على زواجهما، انفصل راشد عن زوجته، لعدم انسجامهما ثقافيا.
القصة الثالثة:
عندما قرر بدر بأن يشتري سيارة، لم يكن يملك اكثر من 15 الف ريال سعودي، مما اضطره إلى ان يشتري سيارة مستخدمة. بعد الفحص والتدقيق قام بدر بشراء افضل ما يمكن شراءه بهذا المبلغ البسيط نسبيا حتى في عالم السيارات المستخدمة. بعد فترة وجيزة تعطلت السيارة وكانت قيمة تصليحها تفوق ضعف قيمتها السوقية. قرر بدر بأن يضع حد لخراباتها ومصاريفها وتخلص منها بخسارة كبيرة.
بدون الخوض في التفاصيل، ولو انه كما يقال “الشيطان يكمن في التفاصيل”، قد يرى اغلب الناس بأن قرار كل من حمد بالتعرف على ذلك الشاب العربي، قرار راشد بالزواج، و قرار بدر عندما اراد ان يملك سيارة، بالقرارات المعقولة والمنطقية، هذا على الأقل وفق المعلومات والمعطيات التي كانت متوفرة لديهم، قبل اتخاذهم لأية من تلك القرارات، وبأن سبب عدم توفقهم في قراراتهم يعود إلى محدودية خياراتهم.
بالمقابل قد يجدون هم انفسهم اصحاب تلك القرارات (حمد/راشد/بدر) بانهم ارتكبوا مجموعة من الاخطاء، بل وقد تجدهم يقسون على انفسهم ويطلقون على أفعالهم تلك بالحماقات. هذا ما يسمى بعلم النفس “جلد الذات”.
حمد قد يرى نفسه بأنه قد اخطاء عندما تعرف على ذلك الشاب، .متناسيا حجم وصعوبة الغربة التي كان يعيشها قبل أن يقابل ذلك الشاب العربي المشاغب، ومدى تأثير ذلك الشعور على قراره في ذلك الوقت. كذلك هو الحال مع راشد الذي قد يرى بأنه اخطاء باختيار زوجته، متناسيا بأنه قد ارغم على الزواج من خارج محيطه الاجتماعي والثقافي بسبب ظروف سجنه. كذلك ايضا هو الحال مع بدر الذي لام نفسه على سوء اختياره للسيارة الذي قام بشرائها، متناسيا ميزانيته المحدودة الذي ساقته الى ذلك الخيار.
أيا كان مستوى تعليمنا، او عمق وطول تجاربنا الشخصية، من الطبيعي بأن نجد بعض قراراتنا السابقة خاطئة، بل وغير منطقية بمعايرنا الحالية.
لكن مع بعض التدقيق التاريخي لكل حالة والظروف المصاحبة لها ، سيتضح لنا بأن كثير من تلك القرارات التي نلوم أنفسنا عليها اليوم كانت محاطة بخيارات محدودة جدا، انعكست سلبا و بشكل مباشر على فاعلية تلك القرارات التي قمنا بها في السابق.
لهذا، يجب ان لا نقسو على أنفسنا، اذا ما قمنا ببعض القرارات الخاطئة، اذ يجب علينا بان نضع نصب أعيننا بان هناك دائما حدود لاختياراتنا، تقوض من فرص نجاح قراراتنا، سواء في الامس، اليوم ، او الغد.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال