الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كان يوماً ماطراً وخلاباً يدعوك الى احتساء قهوتك وانت تغازل السماء من شرفة منزلك، الا انه باغتني الفضول لقراءة أحوال الطقس في احد الصحف المحلية حيث وجدت أن التوقعات كانت تشير الى جو صحو مشمس وسماء صافية ناهيك عن درجة الحرارة المتوقعة والتي لا تمت لذاك اليوم بصلة.
منذ زمن ليس ببعيد، تحديداً قبل الطفرة التكنولوجية والرقمية التي نعيشها اليوم، لم تكن البيانات ومداولتها ذات أهمية كبيرة عند الأفراد أوالمؤسسات المدنية والتجارية أو حتى الحكومات. ففي ذلك اليوم الماطر والجميل والذي لم تتنبأ به الجهة المسئولة عن احوال الطقس، تخيل لوانه جُمِعَت بيانات سابقة لأحوال الطقس من العام 1970 الى العام 2019م؛ اي انه امتلكنا بيانات ضخمة لكل يوم وساعة على مدى خمسون عاماً تحتوي على درجات الحرارة وسرعة الرياح ونسبة الرطوبة إلخ، فمن خلال تحليل تلك البيانات السابقة ومقارنتها مع حالة المناخ الراهنة، يكون من الممكن (بعد مشيئة الله) توقع حالة الطقس المستقبلية على المدى القريب والمتوسط. وهكذا قس على ذلك ماقد نستفيده من جمع البيانات في المجالات الأخرى، كالطب والصحة مثلاً حيث استفاد الباحثون من البيانات الضخمة في حل ألغاز الجينات البشرية وتطويرالأدوية والتي عادةً ما تستغرق عشرات السنين من شركات الأدوية لإبتكار أو تطوير دواء واحد فقط.
يعتبر الكثير من المهتمين والمحللين ان البيانات الضخمة Big Data هي “النفط الجديد” في القرن الواحد والعشرين؛ وكما هو الحال في النفط الخام حيث لايمكن الإستفادة منه الا بعد تكريره، كذلك هي البيانات الخام Raw Data لايمكن الإستفادة منها الا بعد التنقيب فيها وتحليلها واستخلاص المعلومة المفيدة منها. ومع تزايد أعداد الأجهزة والآلات المتصلة بالإنترنت اليوم، أصبحت البيانات تنمو بشكل هائل فيجميع المجالات المختلفة، لذلك ظهر مؤخرا مفهوم تعلم الآلة أو التعلم الآلي Machine Learning للتعامل مع تضخم البيانات آليًا وذلك بإستخدام خوارزميات للتعلم من البيانات الجديدة والمتزايدة يوما بعد يوم لتعزيز التنبؤات المستقبلية. وقد لا يختلف مفهوم تعلم الآلة عن علم الإحصاء والإحتمالات حيث كلاهما يهتم بدراسة البيانات والاستفادة منها في إتخاذ القرارات، ولكنهما يختلفان من حيث التعاطي مع البيانات حيث ان علم الإحصاء يتفرع من علوم الرياضيات ويعتمد على فرضيات يتم وضعها مسبقًا لبناء علاقة منطقية في عينة من البيانات ومن ثم استنتاج المعلومة المفيدة منها لاتخاذ القرار المناسب، في حين ان تعلم الآلة يتفرع من علوم الحاسوب الآلي ويركز على خوارزميات تتعلم من جميع البيانات المدخلة دون الرجوع الى فرضيات او تعليمات مسبقة؛ وبهذا يعتبر تعلم الآلة أحد اهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence.
ومع اختلاف الكيفية أو الطريقة في التعامل مع البيانات بين المهتمين بعلم الإحصاء والمهتمين بتعلم الآلة، الا انهم يجتمعون تحت مظلة علم حديث يعرف اليوم بعلم البيانات Data Science لهدف جوهري واحد الا وهو الاستفادة القصوى من البيانات وانتزاع المعرفة. وقد إزداد الإهتمام العالمي مؤخراً بعلم البيانات ويتضح ذلك جلياً في كثير من الجامعات المرموقة والمراكز البحثية حول العالم حيث اشارت مجلة هارفارد للأعمال Harvard Business Review ان علم البيانات من اكثر العلوم إثارة وأهمية في تشكيل مستقبل الذكاء الاصطناعي، وأن البيانات الضخمة ستكون سلعة ثمينة وغالية مما قد تخلق “سوق سوداء” لبيع وشراء البيانات في الخفاء وبشكل غير قانوني.
اما على الصعيد المحلي، فقد كان صدور الأمر الملكي بإنشاء الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي دلالة واضحة على اهتمام القيادة الرشيدة بهذا العلم الحديث لدعم اتخاذ القرارات في جميع القطاعات الحكومية والخاصة بناء على حقائق وأرقام بما يتواكب مع النمو السريع الذي تشهده المملكة على كافة الأصعدة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال