الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كثير من النزاعات والدعاوى -لا سيما بين الشركات التجارية- تقوم على ادعاءات تتعلق بالتعويضات بمختلف أنواعها، ومن أبرزها المطالبات المتعلقة بالتعويض عن فوات الربح. بمعنى أن يدعي طرف على آخر بأن تصرفه غير المشروع حال بينه وبين تحقيق ذلك الربح المقدّر، فيطلب من القضاء إلزام خصمه بدفع ذلك التعويض. فما موقف القضاء من هذه المسألة؟.
أعتقد أن فوات الربح لا يمكن أن يُسبغ عليه حكم واحد في جميع صوره، بل الصواب النظر إلى كل صورة وإعطائها الوصف اللائق والحكم الصحيح. وقد اجتهدت في إرجاعها إلى ثلاث صور رئيسية بالنظر إلى سبب ذلك الربح الفائت.
فإن كانت تلك الأرباح الفائتة ناتجة عن التأخر في سداد الأموال (الديون)؛ فإن المطالبة بها غير مشروعة، ولا يجوز التعويض عنها؛ لأنه يؤدي إلى الربا. وصدرت بذلك أحكام قضائية، ومنها الحكم في القضية رقم (1110/2/ق لعام 1426هـ)، وهو ما عليه المجامع العلمية، كمجمع الفقه الإسلامي.
وأما إن كان سبب فوات الربح يعود إلى فوات منافع الأعيان، فالذي أعتقده أن المطالبة به مشروعة بشكل عام، وذلك كالتعويض عن منفعة عقار تسبب تصرف غير مشروع من طرف ما في فواتها، سواء بالتأخر في إنجاز عمل معين خطأً، أو الاستيلاء على العقار بغير وجه مشروع، أو غير ذلك. وقد صدر الحكم رقم (361239618) وتاريخ 3/8/1436هـ المتضمن إلزام شركة خرسانة بتعويض مالك مبنى عن تأخر إنجازه وفوات ربح التأجير عليه بسبب خطأ شركة الخرسانة.
وأما إن كان الربح متعلقاً بفوات مكاسب تجارية، فالذي أعتقده أنه لا يمكن الحكم عليها كلها بحكم واحد بل المتعين التفصيل فيها، ذلك أن تلك الأرباح على نوعين:
النوع الأول: أرباح قد انعقدت أسبابها وتهيأت، ويغلب على الظن حصولها، وإنما حال بين حصولها وتحققها الفعل الغير مشروع من الطرف الآخر. وهذا النوع من الأرباح يجوز التعويض عنها، بشرط أن يكون قد انعقد سبب وجود تلك الأرباح، وأن يقع فعل غير مشروع يحول دون حصولها، وأن تكون في المنافع لا الأموال. والعلة في جواز ذلك هي أن الربح وإن كان غير واقع إلا أنه شبيه بالربح الحاصل والمتحقق تماماً، والمتقرر أنّ ما قارب الشيء أخذ حكمه. وقد صدرت بذلك عدة أحكام ومنها: الحكم في القضية رقم (957/5/ق لعالم 1429هـ).
النوع الثاني: أرباح متوهمة، وهي التي يظن مدعيها أنه سيحققها، وإن لم تكن له شواهد على ذلك، مثل الأرباح الناتجة عن تغيرات السوق ونحو ذلك. والصحيح أن هذه الأرباح لا يجوز التعويض عنها، لأنها أرباح محتملة غير متحققة، كما أن عدم تحققها قد يكون لسبب خارجي لا علاقة لفعل الطرف الثاني به، كما أنها قد تتضمن ربحاً لما لم يُضمن، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ربح مالم يضمن. وصدرت بذلك عدد من الأحكام القضائية ومنها: الحكم الصادر في القضية رقم (745/3/ق لعام 1429هـ)، وغيره.
ولعل مما يؤيد هذا التقسيم ما ورد في محضر ورشة العمل بمحكمة الاستئناف الإدارية بالرياض، والذي نصَّ في الفقرة سادساً منه على: “عدم التعويض عن الربح الفائت والأضرار المحتملة وفوات المنفعة وفق المستقر عليه في قضاء ديوان المظالم؛ لأنها أضرار احتمالية ليست حالة ولا مباشرة، ولكن قد يجوز التعويض عن الربح الفائت بشرط أن يكون ما فات المضرور من كسب أكيد، وكذلك يجوز التعويض عن المنفعة الفائتة التي انعقد سبب وجودها”. فنلحظ أنه جعل الأصل المنع من التعويض عن الربح الفائت، ولكنه استثنى منه حالات معينة وذلك في حال وجود الكسب الأكيد، وكذلك المنفعة التي انعقد سبب وجودها.
وختاماً، أود التأكيد على أن الاتجاه للتعويض بجميع صوره -ومنها التعويض عن فوات الربح- يستلزم حصول خطأ من الطرف الآخر؛ إذ لا محل للتعويض حال عدم وجود الخطأ، وهذا أمر متقرر، ولكن على سبيل التأكيد، ودفعاً لأي لبس.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال