الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أبدى لي العديد من شبابنا قلقه وانزعاجه من تقرير صندوق النقد الدولي – الصادر في 7 فبراير 2020 – بعنوان “مستقبل النفط والاستدامة المالية في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي” الذي يحذر فيه من الانخفاضات المتوقعة في أسعار النفط على المدى الطويل. ويوصي دول المجلس بأن تبدأ وعلى عجل بتكييف سياساتها المالية. من خلال تسريع الإصلاحات واكتشاف مجالات جديدة لتطبيق الرسوم الضريبية عليها. مع تقليص حجم القطاع العام.
فقد جاء في التقرير المذكور أن الطلب على النفط متوقع أن يصل ذروته خلال العشرين سنة قادمة. الا أن هذا سيتطلب التزامات مالية ضخمة (إنفاق رأسمالي) مما سيؤثر سلباً على ثروات دول مجلس التعاون بحلول عام 2034. ويتوقع التقرير أن الإيرادات ستصل ذروتها عام 2048. وبعدها ستنخفض هذه الإيرادات بشكل حاد خاصة مع زيادة العرض بسبب بروز النفط الصخري كمنافس شرس. إضافة الى توفر وسائل بديلة للطاقة أكثر كفاءة ونظافة مما سيدعم سياسات حماية البيئة لتكون أكثر صرامة. وبذلك ستتغير سلوكيات الطلب على النفط بشكل جذري.
ما لا يعرفه الشباب أن مثل هذه التقارير ليست جديدة، بل موجودة منذ السبعينيات ميلادية من القرن الماضي. وبالنسبة لصندوق النقد الدولي، فهذه ليست السابقة الأولى له الذي يتطرق فيها بتحامل على السياسات المالية لدول مجلس التعاون. مديرة الصندوق السابقة كريستين لاغارد – التي مَثُلَت أمام القضاء الفرنسي في شبهة “تواطؤ في عملية تزوير واختلاس أموال عامة” حسب ما جاء في صحيفة (فرانس (24 في مايو 2013 – تحدثت أمام منتدى أبو ظبي عام 2016 بأن على دول الخليج أن تقوي من “إطاراتها المالية وإعادة هندسة أنظمتها الضريبية عبر خفض اعتمادها الكبير على عائدات النفط”.
وعاد الصندوق في أغسطس 2018 – قبيل الحكم على مديره التنفيذي الأسبق رودريجو راتو بالسجن أربع سنوات ونصف بتهمة التلاعب المالي كما جاء على موقع وكالة (رويترز تومسون( في أكتوبر 2018 – ليتطرق لموضوع الضرائب بالمملكة. ثم بعد أن خلص تحقيق مستقل يفيد بخروج الصندوق عن نطاق السيطرة والانضباط الإداري – حسب ما نشر في صحيفة (التليجراف) البريطانية في يوليو 2019 – قدّم الصندوق في شهر سبتمبر تقرير بتوصية استفزازية وغير منطقية لرفع ضريبة القيمة المضافة في السعودية من 5% الى 10%. وقد كان موقف المملكة واضح وحازم في هذه المسألة.
والسؤال هنا: بماذا يُنصح شبابنا أثناء قراءة تقارير صندوق النقد الدولي المتعلقة بنا؟
الإجابة هي بالحذر الشديد جداً. فافتراضية عدم صحة التقرير أو وجود مغالطات أو تغافل عن حقائق احتمالية قائمة. ومهما كان بريق اسم الجهة الأجنبية التي تقدم تقرير ما عنا، لا نأخذ تقريرها كمسألة مسلّم بها. بل نضع هذا التقرير بين مطرقة الشك فيه وسندان التيقن منه. ليس لقبول التقرير كما هو – إذا ما أثبت صلابته – ولكن حتى يكون فقط مؤهل لكي يستحق أن ننظر فيه. إضافة، ان يكون التقرير رسمي وليس ورقة بحث لأحد منسوبي هذه الجهة والتي لا تمثل سوى وجهة نظر الباحث الشخصية وإن نُشِر البحث على موقع الجهة التي يعمل بها.
إذا ما نفّذ الشباب هذا الأسلوب في التعامل مع التقارير سيكونون بمنأى – حتى وهم غير متخصصين – عن أي قلق أو انزعاج مما يقرأون.
وبقراءة سريعة للتقرير المذكور سنرى على الأقل أربع احتماليات لمغالطات فيه. وهي كالتالي:
الأولى:
استخدم التقرير فزاعة حماية البيئة وسياساتها الصارمة والتي ستكون سبب هام في تضييق الخناق على استخدام الوقود الأحفوري والمقصود في التقرير هو النفط الذي سينخفض الطلب عليه. مما يؤدي لاهتزاز موقف دول الخليج المالي. لكن الكثير لم ينتبه الى أن الصندوق لم يذكر في تقريره أن مصدر التلوث الأساس هو انتاج الفحم وليس النفط. ودول مجلس التعاون لا تستخرج الفحم، بل أوروبا. وعليه ففزاعة حماية البيئة – هنا – ستعمل لصالح النفط مقابل الانهاء على انتاج الفحم إذا كنا بالفعل نهتم بالبيئة والتلوث الكربوني.
الثانية:
هذا التقرير أهمل تماماً حقيقة أن النفط الخام لا يستخدم فقط لتلبية الطلب على وسائل النقل – والتي لن تختفي تمامًا – بل ولتلبية متطلبات صناعة البتروكيماويات. لذلك، معظم مصافي النفط في العالم مصممة لمعالجة الزيت الثقيل وهو المتواجد في منطقة الخليج العربي (يعرف في المملكة باسم العربي الثقيل). ولا يمكن لهذه المصافي التي استثمرت المليارات أن تحيد عن هذا النوع من النفوط. لذلك، سيكون الطلب عليه مستمر في الأغلب ولعدة عقود. والمنطقة – خاصة المملكة – تقدم أرخص إنتاج خام على مستوى العالم. بينما النفط الصخري – الذي ذكر في التقرير بحسابات مغلوطة ليظهر كمنافس – تنخفض مخرجاته بسبب ارتفاع تكاليف إنتاجه. هذا بالإضافة إلى القيود اللوجستية عليه.
الثالثة:
التقرير تغافل عن حقيقة أن أوروبا تسوق وبحماس عالي لما يسمى بالطاقة الخضراء (Green Energy). وهو مصطلح يختلف معناه الأوروبي عن نظيره في أمريكا الشمالية والعالم. الطاقة الخضراء للأوروبيين تعني محاربة النفط للتخلص منه تماما. وهذا ربما يدعم فرضية أن التقرير يحاول تمرير أجندة أوروبية خفية. ولعل تركيز الصندوق على مسألة حماية البيئة في تقريره له علاقة بهذه الشأن!
فأوروبا في مأزق مالي كبير جداً. بسبب أن دول الاتحاد الأوروبي الشرقية والمطلة على البحر الأبيض المتوسط غارقة في الديون لحد الإفلاس. مما يعني انها غير قادرة على السداد. وهذا يعني أن الدول الأوروبية المُقرِضَة ليس أمامها سوى اعدام هذه القروض. مما يهز الموقف المالي الأوروبي مستقبلاً. وهذا ربما يفسر سبب توصية البنك الدولي قبل عدة سنوات للدول الأوروبية – في محاولة لدعم دخولاتها المالية – لإيجاد وسائل مبتكرة لمقاضاة الدول المنتجة للنفط ورفع الضرائب على صادراتها النفطية للقارة العجوز.
الرابعة:
التقرير هوّل من ضبابية الصورة المستقبلية لموقف دول مجلس التعاون المالي بحجة ان مصادر الطاقة البديلة ستتطور وسياسات حماية البيئة سيكونان الأساس في انهاء أو تخفيض الطلب على النفط. هذا الايحاء ربما يدعم فرضية أن هناك من في مصلحته التسويق لهذا المفهوم حتى تتضخم التقديرات والتقييمات الغير واقعية لمشاريع الابتكارات في مجال الطاقة البديلة. مما يعني جذب استثمارات للبحث والتطوير. وضخ أموال لتنشيط أسواق الأوراق المالية التي تُدرج الشركات صاحبة هذه المشاريع فيها مما يدعم اقتصاداتهم.
هذا فقط مثال لقراءة سريعة للتقرير. والآن، هل أستشف شبابنا شيء ما بخصوص التقرير؟ هل يستحق التقرير أن يقلقهم؟ الإجابة راجعة لهم!
على أبنائنا وبناتنا الا يقلقوا. في المملكة، لدينا رؤية ترسم الطريق وخبراء يتابعون ويراجعون وقيادة تعمل لمستقبلهم الذي سيكون مشرق بإذن الله.
دور الشباب – كقادة المستقبل – هو التركيز على القيام بدورهم المنوط بهم في إنجاح خطط الرؤية التي هي لهم. وعدم الانجراف وتحكيم العقل، وقراءة هذا التقرير وغيره بحذر شديد جداً. وبفكر ناقد متسلح بالمعرفة المطلوبة. أو الرجوع لأهل الاختصاص في مثل هذه الأمور.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال