الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
هل تستدعي مرحلة النضوج الاقتصادي التي نعيشها اليوم – نتاج رؤية المملكة 2030 – ان نحوِّل بعض الهيئات القائمة لشركات حكومية ربحية؟
المنظومة الاقتصادية تنضُج مع الوقت. وهذا ما بدأ بالحدوث في المملكة بُعيد تأسيس ام الوزارات – المالية – ومن ثم تأسيس اول غرف تجارية في مكة المكرمة وجدة والرياض. وكاستجابة لتحديات العصر ومتطلباته آنذاك تم توليد وزارات وهيئات جديدة. ثم استمر تطور هذا الاقتصاد ليؤكد على شكله الريعي بسبب مدخولات النفط. وقد كان تشكيل يناسب ظروف المملكة ومما لا شك فيه انه قد خدمها.
ثم جاءت رؤية المملكة 2030 كاستهلال لمرحلة تقويم شاملة بحُكم مكانة المملكة العالمية والتزاماتها وما استشرفته القيادة عن المستقبل. ومما لا شك فيه أن الرؤية سخَّرت كل الموارد بما فيها تعزيز دور الهيئات القائمة. وأيضا إيجاد هيئات جديدة لتتناول ملفات هامة. بل وإلغاء هيئات – إذا لم يكن لها ضرورة – كما حصل مع هيئة توليد الوظائف.
إنجازات الهيئات الموجودة ذات الدوافع المعنوية (Intrinsic Motives) لا يمكن انكارها. ونرى أن هذه الهيئات تستخدم – وهي صادقة في توجهاتها – كلمات مثل “مساهمة” و “دعم” و “تهيئة” في أدبياتها. مثل هذه الدوافع – غالباً – تبني انطباعات إيجابية عن إنجازات ولا تكون مثالية لإيجاد مخرجات ذات أرقام تعكسها المؤشرات الاقتصادية.
على الجانب الآخر، نرى القطاع الخاص الذي يحركه في الأساس الدوافع المادية (Extrinsic Motives) يبحث عن مخرجات في شكل أرقام سوآءا مكاسب أو مضاعفات في رؤوس الأموال والاستثمارات. أما انطباعات المجتمع فهي ليست الأهم له. الا في حال مكسب مادي له من وراءها.
الرؤية تهتم بالإنجازات – مهمة الهيئات – ذات المخرجات الاقتصادية وهي مهمة القطاع الخاص. مما يعني أننا نحتاج الى بناء علاقة تكاملية نفعية بين الهيئات والقطاع الخاص. فالقطاع الخاص لا يستطيع ان ينجح بمفرده ويحتاج إلى شريك نجاح حكومي يدعم تطوره. كما ان الهيئات لا تستطيع ان تنجح بمفردها لأن إنجازاتها تحتاج مخرجات ملموسة يُصنع في السوق. وبحكم عملية نضوج المنظومة الاقتصادية ربما الهيئات تحتاج أن تتطور في رؤاها وهياكلها حتى تستطيع أن تتحدث لغة القطاع الخاص. فالدعم المثالي الخلوق لا يكفي لكي يُحفَّز القطاع الخاص كما ينبغي.
هذا يتطلب منا ان ننظر في احتمالية تحويل بعض الهيئات القائمة إلى شركات حكومية ربحية ومدرجة في سوق الأوراق المالية. فالمحرك الأساس للاقتصاد – كما هو الحال في كل دول العالم – هو القطاع الحكومي ومتطلباته. ولكن القطاع الخاص لا يتحمل تقلب الطلب في القطاع الحكومي. ودائما يكون حذر في تجرؤه على التوسع. سوآءا في النفقات التأسيسية أو التشغيلية وإيجاد وظائف مستدامة. بل وحتى على مستوى الاستثمار في نقل المعرفة إذا لم تكن ذات فائدة مادية له. وهنا يأتي دور الهيئات في حال لو تحولت الى شركات حكومية ربحية. وكأننا نتحدث عن إيجاد قالب اقتصادي مشابه للقالب الصيني المتفاعل مع متطلبات وتقلبات السوق.
فعلى سبيل المثال، تُعمّد هيئة ما – على اعتبار انها أصبحت شركة ربحية – بكل عقود مقاولات وتعهدات وطلبات القطاع العام في مجال محدد حسب تخصصها. وهي من الباطن تُعمِّد مجموعة من المنشآت المؤهلة الشريكة في القطاع الخاص بما تحتاجه لتنفيذ هذه المشاريع بعقود مضمونة (Offtake Agreements) كما فعلت أرامكو السعودية قديما وصنعت منظومات اقتصادية ضخمة ساهمت في المؤشر الاقتصادي وتوظيف المواطنين بشكل ملموس. وكما هو الحاصل في شركة تويوتا اليابانية التي أغلب قطع السيارات لديها تأخذها من مقاولين ومتعهدين – منشآت صغيرة – محليين بعقود مشتريات مضمونة. مما ساهم في بناء اقتصاد معرفي وصناعة تحويلية قوية. وكما حصل في الصين التي صنعت منظومات اقتصادية ضخمة في القطاع الخاص بسبب تطبيق هذا الأسلوب. مما ساهم في نمو اقتصادها بشكل مذهل وفي وقت قياسي.
أجمل ما في رؤيتنا أنها رشيقة لأنها في حالة تطور دائم. في هذه المرحلة الدقيقة ما بين 2020 و 2030 ربما نحتاج أن نعطي أنفسنا فرصة أن نناقش هذا التوجه. خاصة أن المخرجات هو الموضوع الأهم لنا. وتوجد مجموعة من الهيئات مؤهلة لمثل هذا التحول القائم على المبادئ التجارية مثل هيئة منشآت، الاستثمار، الصناعات العسكرية، المعارض والمؤتمرات، وغيرهم كثير. ومن يدري، ربما هذه الهيئات عندما تتحول لشركات ربحية تخدم الشركات الكبرى في القطاع الخاص. وليس مستبعد أن تدخل أسواق جديدة عالمية وتنافس فيه.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال