الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
نبدأ في العام الحالي ٢٠٢٠ عقداً جديداً يلي ٤ أعوام من التغييرات الهيكلية في تشريعات منظومة الأعمال السعودية، لامست تلك التغييرات جُل ركائز بيئة الأعمال والاستثمار المحلي والأجنبي. فمنذ السبعينيات الميلادية اتبعت الكثير من الأنظمة و الإجراءات الوزارية و الحكومية السعودية أسلوب الخطة الخمسية التي اعتادت عليها مفاصل الدولة في التطوير وتحسين الأداء و وكانت وتيرة التغيير المحلية خجولة ـ إن صح القول ـ في البنية التشريعية بشكل عام وهذا بدوره خلق بيئة استثمارية سعودية لها خصائصها المحدودة، وقد أحدث إطلاق برنامج التحول الوطني في العام ٢٠١٦ نقلة نوعية اقتصادية قد تكون مربكة لجوانب مجتعمنا المتعددة سواء الفكرية او الاجتماعية او الاقتصادية والتي يعايشها المجتمع السعودي بكافة أطيافه حتى هذه الأيام.
لقد مست الكثير من تلك التغييرات التشريعية قطاع الأعمال سواء كان ذلك في إقرارضريبة القيمة المضافة، أو رفع أسعار الطاقة أو تطبيق أنظمة حوكمة الشركات وسن نظام الإفلاس أو تحفيز الاستثمار الأجنبي، وما واكبها من حركة تصحيح اليد العاملة وتوطينها و تأنيثها في كثير من المهن، وأنظمة الاستيراد والجمارك، ورفع المحتوى المحلي ، ونقل الصلاحيات من جهة لأخرى، وأتمتة غالبية المعاملات الحكومية وبروز هيئات جديدة تفصيلية وما تبعها من أنظمة و قرارات معنية بجوانب التجارة والاستثمار، و استجد ذلك كله مع بروز قطاعات بكر غير مسبوقة في المملكة كبرنامج تطوير الصناعات الوطنية و التركيز على الصناعات العسكرية، و قطاعات الخدمات اللوجستية و السياحة والثقافة و الترفيه والرياضة.
إن من لامس حزمة التغييرات هذه في عمله و تجارته واستثماراته بالرغم من فجائيتها وكثرتها فهو يدرك أهميتها كمرحلة للتغيير المحتوم رغم تعدد قرارات التغيير في الأنظمة و المتطلبات الحكومية التي تمسها، و التي كان لا بد منها لتحويل السوق من حالة إلى أخرى أكثر نضجاً وصحةً من سابقتها، فما حصل على مستوى حكومي هو أشبه بنظرية كرت لوين Kurt Lewin في التغيير الإداري و التي تنص على ٣ خطوات:
عدم التجميد >> التغيير >> التجميد Freez << Change << Unfreez
فنسبة لنظرية لوين، تتطلب عملية التغيير عدة خطوات أولها: “عدم التجميد” أو لنطلق عليها خطوة التذويب، وتتم بتوعية المتلقين وأصحاب العلاقة بأهمية التغيير لهم لتحسين أوضاعهم وعرض خطة التغييرعليهم بشكل واضح و المضي بجزم للانتقال إلى لُب النظرية وهي خطوة “التغيير”: والذي يبدأ بتطبيق فعلي لإجراءات التعديل وتعزيز سلوكيات التغيير الحديثة لدى كل الجهات الداخليه وتطبيقها عن طريق توزيع المهام على كافة الأطراف الداخلية، ومن ثم تليها أخيراً مرحلة “التجميد” : وتتلخص في تأكيد ممارسة قرارات وسلوكيات التغيير ومتابعة تطبيقها لتكون ثابتة لا متغيرة بالرغم من مرونتها داخل مساحة التجميد المحدثة فقط.
قد يكون ضرب هذا المثال الإداري منطبقاً على نطاق المنشآت و المؤسسات كما عنى به كرت ليوين ولكن تفاصيله و مراحله شبيهة جداً بما يمر به القطاع الخاص على رقعة قومية أكبر، فتجربة الرؤية ومرحلة التحول الوطني تعد من أكبر برامج التغيير التي تتم على نطاق ضخم في اعتقادي في التاريخ الحديث بالمنطقة العربية على الأقل والإقليمية بشكل أكبر. و قد شدد صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حفظه الله على أهمية القطاع الخاص في كلمته عن الرؤية بقوله ” سنفتح مجالاً أرحب للقطاع الخاص ليكون شريكاً، بتسهيل أعماله وتشجيعه، لينمو ويكون واحداً من أكبر اقتصادات العالم” .
إن حزم التغييرات التشريعية التي شهدها قطاع الأعمال في السنوات البضع الماضية تعد تحديات كما تعد فرصاً في الآن ذاته للمستثمر والتاجر المخضرم أو المبتدئ في السوق على حد سواء، وبات من الضروري أن يليها استقرار مابعد التصحيح، والذي يمتاز بالهدوء في الوتيرة و القرارات ، فقطاع الأعمال في الأعوام القادمة سينشد استقراراً تشريعياً في جوانب مختلفة كأنظمة التجارة ، والعمل، و البلديات، والجمارك، وكل ما يرتبط أو يؤثر بالاستثمار وببيئة الأعمال.
ومجمل القول أنه بالرغم من أهمية هذة التغييرات والنقلة النوعية التي انطلقت البلاد بها إلا أن عقد العشرينيات الحالية لا بد أن يحمل بطياته استقراراً تشريعياً من الجهات الحكومية ذات العلاقة بقطاع الأعمال لتتمكن المنشآت التجارية والاستثمارات من تجاوز فترة التصحيح و العمل والنمو ومن ثم الازدهار في بيئة مستقرة مزدهرة لكافة أطراف الاستثمار و التجارة بالمملكة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال