الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في آواخر شهر مارس من عام 2011 استيقظ سكان إيسلندا على ذعر بسبب ثوران البركان الضخم “إيجافجالا جوكول” مما نتج عنه تكون سحابة بركانية ضخمة جداً شلّت معها حركة الملاحة الجوية في كافة القارة الأوروبية، حيث أغلقت الكثير من الدول مجالها الجوي وعلقت رحلات الطيران من مطاراتها ، وكنت حينها ممن علق في لندن في مطار هيثرو لأكثر من أسبوعين وذلك أثناء مهمة عمل كانت تستدعي ثلاثة أيام فقط ، خلال تلكم الأيام كنت مهتماً لأرى استجابة إدارات الموارد البشرية للمنشآت التي ينتمي لها من علق معي سواء من داخل البلاد أو خارجها ، رصدت حينها مواقع متباينة ومختلفة لإدارات الموارد البشرية تجاه تلكم الحادثة، بين مقلٍ ومستكثر، أدركت بعدها بأهمية دور”إدارة الموارد البشرية” في مواجهة وإدارة الأزمات والكوارث ، وأن التهديدات لم تعد تقتصر على قرصنة الأجهزة الحاسوبية والإلكترونية ،أو أزمات اقتصادية فحسب ! ، بل فهمنا لمعنى الأزمة فهماً عميقاً ، هو ما سيرشدنا لنتفاعل مع الأزمات من جميع النواحي على النحو المطلوب ، وأن نحكم عليها وفق التصور الكامل لها ، مع عدم اختزال دور “إدارة الموارد البشرية” فقط في حماية وسلامة الموظفين المتضررين فحسب ، بل أيضًا في دعم الاستدامة المؤسسية وتضمينه ضمن استراتيجياته.
لماذا ” إدارة الموارد البشرية” ؟!
إن أحد الأخطاء الفادحة في تخطيط إدارة الأزمات هو التركيز على كيفية منع الأزمات وتجنب تعطل الأعمال ، وحماية أصول المنشآت أثناء الأزمات ، وكيفية استعادة نشاط المنشأة وتشغيله بعد الأزمة ، لتأتي القضايا الإنسانية المتمثلة بـ “الموظف” في المرتبة الأخيرة على قائمة الاهتمامات ، لذلك يعد النظر إلى الجانب الإنساني لإدارة الأزمات أمرًا ضروريًا لاستدامة الأعمال حيث هناك دائمًا جانب “إنساني” مع كل أزمة ، وأن هناك الكثير مما يجب علينا القيام به مع منسوبي منشآتنا خلال الأزمة ، لذا يكمن أهمية دور “إدارة الموارد البشرية” حيث لها دور مهم وكبير في إدارة الأزمات والتهديدات ، لذا نستطيع القول بأنه يجب أن يكون واضحًا للجميع أن للأزمة وإدارتها الكثير للقيام به مع”الإنسان ” المتمثل في الموظفين !
فـ”الإنسان” هو مصدر / عامل خطر وصانع للأزمة في بعض الأحيان ، على سبيل المثال ، كالذين يتخذون قرارات خاطئة، أو الأشخاص الذين يقومون بعمل مسيء باسم المنشأة، أو يتهاونون في أداء مهامهم ، وما إلى ذلك ، وثانيها : ضحية تلكم الأزمات هو “إنسان” أيضاً ،على سبيل المثال الإصابات والوفيات والأثر النفسي بين الموظفين ، وثالثها : “الإنسان” المساهم في إدارة تلكم الأزمات، على سبيل المثال ،الذين يستخدمون معارفهم وخبراتهم ومهاراتهم وإبداعهم في حل مشكلات المخاطر المتوقعة وغير المتوقعة جراء تلكم الأزمة.
وبالتالي، وبناءً على الأسباب المذكورة أعلاه ، يجب أن تلعب “إدارة الموارد البشرية” دورًا استراتيجيًا واستباقيًا في إدارة المخاطر والأزمات واستمرارية الأعمال وأن يكون لها مقعداً أساسي ضمن تلكم اللجان ، حيث أنها المسؤولة الأولى عن الرعاية والعناية برأس المال البشري للمنشأة ، لضمان إمكانية ابقاءه والمحافظة عليه واستمراره في خلق قيمة مضافة إيجابية تحت أي ظروف معاكسة لا قدر الله.
موقف الموارد البشرية تجاه الأزمة : الواقع والمأمول !
في السابق كان يقع على عاتق إدارة الموارد البشرية مسؤولية الدور التفاعلي (Reactive Actions) مع أي حدث أو أزمة ، تتباين فيها المنشآت كما ذكرت بين مقل ومستكثر تجاهها ، لتتعامل “إدارة الموارد البشرية” معها في سنّ الأنظمة والسياسات تباعاً وفقاً لكل أزمة ، وينتهي عندها الدور ، بينما الأمر أكبر من ذلك بكثير ، مما يتطلب منّا الحمل على عواتقنا مسؤولية الدور الاستباقي (Proactive Actions) من خلال الفهم الواعي لمعرفة من أين تأتي الأزمة ، وماهي أنواعها ، وتحديد وتصنيف الأزمات المحتملة وتأثيرها قبل حدوثها ! ، وكيفية التعامل معها بالطرق الذكية من خلال وضع مجموعة من القواعد التي تناسب كلاُ منها مع وضع الخطط البديلة. فهناك أزمات تقع بفعل الإنسان كالإرهاب وحوادث الطائرات واحتجاز الرهائن وغيرها ، وأخرى التي لا دخل للإنسان فيها كالزلازل والفيضانات والثلوج والأوبئة وغيرها.
لذا يتمثل دور “إدارة الموارد البشرية” حاملاً على عاتقه الدورين معاً الدور التفاعلي (Reactive Actions) و الدور الاستباقي (Proactive Actions) في تعزيز الجاهزية بين الموظفين وبالتالي ضمان التخطيط الفعال في احتواء أي أزمة ، يُسهل فيه للموظف الوصول إلى كل شيء بكل سهولة من خلال كتيب الموظف الإرشادي ، وذلك بنشر الأسماء والمسميات الوظيفية وتفاصيل الاتصال لفرق إدارة الأزمات وفرق الطوارئ عن حدوث أي أزمة ، مع جعل الموظف على علم دائم بقنوات التواصل الداخلية، بالإضافة إلى تقديم الدورات والبرامج التدريبية ذات العلاقة، مع إعداد خطط للحفاظ على إندماج الموظفين أثناء الأزمة ، للتأكد من أنهم بجميع مستوياتهم لديهم معلومات وموارد كافية في وقت حدوث أي أزمة أو حادثة لا قدر الله لبدء يوم عملهم التالي دون ضرر، مع الاهتمام الكبير للموظفين ذوو الاحتياجات الخاصة ، ومن يعملون في مواقع خارجية.
الدور الفعّال لـ “إدارة الموارد البشرية” تجاه الأزمات والتهديدات !
تلعب “إدارة الموارد البشرية” دورًا أساسيًا ومهماً في المراحل الثلاث لأي أزمة – ابتداء من التخطيط (ما قبل الأزمة)، ومن ثم التفاعل والاستجابة (أثناء الأزمة) ، و آخرها مرحلة التعافي والانحسار (ما بعد الأزمة)، أستطيع تلخيصها في النموذج التالي :
أما بعد !
سأفرد في القريب العاجل مقالة عن ماذا بعد ڤايروس كرونا ، إلا أنني أجد هنا أهمية أن ألمح إلماحات سريعة ما يجب على “إدارة الموارد البشرية” أن تستفيد وتتعلم من تلكم الأزمات بتوثيق كل شيى ذو علاقة بتلكم الأزمة ، والمساهمة في بناء قاعدة معرفية بالأزمات داخل المنشأة وكيفية ما تم التعامل به ، توثق فيها الدروس المستفادة وأي تعليقات أو مقترحات مفيدة ذات علاقة ، وكيفية الاستفادة من الخطط البديلة في توظيف القوى العاملة خلالها ، بالإضافة إلى تطوير المهارات اللازمة للتعامل مع أزمات مشابهة ، كما عليها أن تراجع الخطط والأنظمة الحالية بما يضمن انفاذ التغييرات والتعديلات عليها بكل سهولة.
همسة للنظر ..
يمن الممكن أن تحدث الأزمات في أي وقت ، وبالتالي أصبح التحدي متمثلاً في تحديد ومنع وإدارة تلكم الأزمات ، لذا فكونك أحد أفراد “إدارة الموارد البشرية” فهذا يعني بأن عليك المراجعة الدورية الدائمة للسياسات الداخلية والإجراءات والخطط ، والتغييرات التي قد تطرأ ، والبحث والبقاء على دراية بالأزمات المحتملة وكيفية مواجهتها ، والمحاولة في خلق أفكار ابداعية جديدة من شأنها أن تحافظ وتعتني بالموظف اثناء الأزمة ، مع المحافظة والالتزام بأهمية دور الإتصال الداخلي بكل احترافية ومهنية كواحدة من أهم الاتصالات التي يجب أن تكون حاضرة في إدارة الأزمات الناجحة لأي منشأة، حيث أن إلتزام الصمت أو عدم التواصل المستمر مع منسوبي منشأتك من شأنه أن يثير الشكوك وانتشار الشائعات وخلق أجواء غير مطمئنة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال