الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ربما تكون فرضية ” كفاءة السوق ” هي أكثر النظريات الاقتصادية المالية التي تعرضت للجدل والنقد وعدم القبول من كثير من الأكاديميين وعلماء الاقتصاد والمالية رغم نيل العالم الاقتصادي يوجين فاما صاحبها جائزة نوبل عام 2013 مع آخرين. فاما هو الأب الروحي لفرضية السوق الفعالة التى بدأت بأطروحته في مقال رائد في عدد مايو 1970 من مجلة التمويل الأمريكية ، بعنوان “أسواق رأس المال الفعالة: مراجعة للنظرية والعمل التجريبي”.
اقترح فاما ثلاثة أنواع من الأسواق الفعالة: قوية، شبه قوية، وضعيفة الكفاءة بناء على دقة ، وكمية، وتوقيت المعلومات التي يتم احتسابها في سعر السهم. في حالة السوق الضعيف تكون مجموعة المعلومات مجرد أسعار تاريخية، والتي يمكن توقعها من اتجاه الأسعار التاريخي، وبالتالي من المستحيل الاستفادة منه. ويتطلب الشكل شبه القوي أن تنعكس جميع المعلومات العامة في الأسعار بالفعل، مثل إعلانات الشركات أو الأرباح السنوية أو الربعية. وأخيرًا يتعلق نموذج السوق القوي بجميع المعلومات بما في ذلك المعلومات الداخلية التي يتم تضمينها في السعر، وبالتالي لا يمكن للتداول بناء على معلومات داخلية تحقيق ربح في عالم كفاءة السوق القوي على حد مفهوم الفرضية.
ربط فاما كفاءة السوق وفعاليته ربطاً سرمديًا بالمعلومة، كيف لا وهي الأكسجين الذي تتنفسه أسواق الأسهم بدقتها وتوقيتها وسعتها وعمق فهم المتداولين والمستثمرين لها. ومفهوم المعلومة والحاجة لها كانت ولازالت هي التحدي الأكبر للمتداولين منذ ظهور أسواق المال الحديثة . رويتر مؤسس وكالة رويترز للأنباء وقبل اختراع التلغراف مباشرة في نهاية القرن التاسع عشر تنبه إلى أن أسواق الأوراق المالية تحتاج إلى معلومات حديثة، ففكر كيف “أحصل على معلومات عادلة حديثة ؟”، فقام بإنشاء مكاتب له في المدن الأوروبية الكبرى ، وبمجرد حدوث حدث في سوق لندن مثلاً، كان يربط قطعة من الورق بساق الحمام الزاجل في لندن ويرسلها إلى باريس ، فيصل الخبر خلال فترة لاتتجاوز ست ساعات كانت كافية لاتخاذ القرار الصحيح في نفس اليوم.
إن الحصول على بيئة السوق القوية العادلة هي أشبه بفرضية أفلاطون للمدينة الفاضلة، فالنفوس البشرية تتحرك بما يخدم مصالحها وتعكس تجربة العيش من خلال الانهيار أن العواطف البشرية تلعب دورًا، وأن الناس كانوا يشترون ويبيعون و لا يعرفون ما يحدث بدقة بل إنه من الجنون الاعتقاد بأن هذه الأسواق مثالية . وحتى في حال توفر المعلومة العامة والتاريخية والداخلية بشكل عادل لجميع المتداولين، فإن فهمها والتعامل معها ووجود البديل يختلف من شخص لآخر وبالتالي فمن المستحيل أن تعكس القيمة العادلة للورقة المالية إلا فرضيًا.
قبل أزمة الرهن العقاري وانهيار السوق الأمريكي عام 2008 هناك قلة مثل الطبيب المستثمر مايكل بيري تنبأت بحدوث الأزمة بناء على تحليل دقيق لمعلومات مستوى الائتمان لمقترضي العقارات وحجم وبيانات الرهونات العقارية وتقييمها ومحافظ الأصول المالية المدعومة برهونات . ولكن الغالبية الساحقة من المتداولين آنذاك لم تهتم بفهم المعلومة رغم توفرها وصحتها ودقتها إما بانجراف عاطفي وراء الربح السريع أو التعرض لعمليات تضليل واسعة من قبل بعض مدراء المحافظ مثل مادوف.
من شاهد فيلم The Big Short والذي يحاكي تلك الأحداث سيلاحظ أن سيناريو الفيلم يفترض أن بعض مدراء المحافظ يعانون من أعراض “اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع”، والأقرب للواقع أن دافع أولئك الجشعين لم يكن هو الإضرار بالمجتمع بقدر ما كان هو الطمع اللامحدود مستخدمين لعبة المعلومة ( الممكيجة) أو المخفية والتى لم تضحِ فقط بالمحافظ النشطة الهشة في الأصل بل وحتى بالمحافظ الخاملة المتحفظة فجرفت وراءها الاقتصاد الأمريكي بأكمله.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال