3666 144 055
[email protected]
أثبتت الكثير من دول العالم التي لديها مرونة وسرعة في صناعة اتخاذ القرارات، في أوقات الازمات-كأزمة كورونا الحالية- نجاحها في تقليص الآثار المتوقعة لهذه الجائحة، بعيداً عن أي بيروقراطية، خصوصاً إذا كانت هذه القرارات والسياسات مبنية على البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي المقدمة من مراكز الاستشراف والأمن الوطني في هذه الدول.
وقد يكون هذا هو النهج السائد في المستقبل، عند اتخاذ السياسات العامة بالاعتماد على أدوات الثورة الصناعية الرابعة، بكل مرونة وسلاسة، لتعظيم المنفعة من تطبيق هذه السياسات ومتابعتها بشكل منتظم ودقيق.
ولعلَّ هذا الوصف ينطبق، بشكل كبير على الاستراتيجية الوطنية التي طبقتها حكومة المملكة العربية السعودية لمواجهة جائحة كورونا وتقديمها لمبدأ صحة الإنسان، بصورة عامة، على الاقتصاد.
ولقد أثَّرت جائحة كورونا على نموذج العمل الذي تتبعه معظم شركات القطاع الخاص والعديد من الأجهزة الحكومية، فعلى سبيل فتحت سياسة التباعد الاجتماعي الذي فرضته العديد من الدول التكهن عن مستقبل بيئة العمل، عقب انتهاء هذه الجائحة، حيث أثبتت التجربة أن العديد من الأعمال والاجتماعات يمكن القيام بها عن بُعد ولا تستدعي السفر، مما يقلل من التكاليف ويرفع من الإنتاجية، إذا أخذنا عامل الوقت بعين الاعتبار.
ونجاح مثل هذه التجارب، قد يلهم العديد من والمديرين التنفيذيين، لمواصلة هذه النهج وتطويره في المستقبل، حيث أن الانتقال إلى عالم من الأعمال والاقتصاد يعتمد على التكنولوجيا والإنترنت، مما سيكون له أثر كبير على العرض والطلب، في سوق العمل والمهارات المطلوبة من الشركات، وأيضاً من المتوقع التوجه بشكل أكبر إلى التعليم عن بُعد واستخدام أكثر للتكنولوجيا في العملية التعليمية.
وربما تلجأ العديد من الدول لمراجعة تطبيقها لمفهوم العولمة وتعيد صياغتها بوضع العديد من السياسات والمعايير، لتلافي المخاطر على المستوى الوطني التي تعرضت له هذه الدول، عندما ضرب فيروس كورونا بقوة سلاسل الإمداد عالمياً، مما جعل هذه الدول تتحمل مخاطر عالية على المستوى الوطني، فيما يتعلق بوفرة العديد من المنتجات الأساسية، كالدواء والغذاء.
هذا الأمر جعل الكثير من صُنَّاع القرار، اللجوء لوضع خطط لتوطين العديد الصناعات الأساسية وتقليل الاعتماد على الدول الأخرى، لخلق نوع من التوازن بين الدول فيما يتعلق بميزان التبادل التجاري والتغاضي عن بعض الخسائر المتوقعة، التي قد تسببها الميزة التنافسية لبعض الدول، حيث من الغالب أن يكون التكامل التجاري بين الدول في المستقبل البعيد مرتكزاً على بناء التكامل الداخلي، لكل دولة، مع التركيز على توطين التقنية والصناعات، وذلك دون اعتماد مطلق على الدول الأخرى، إلا في مجالات معينة.
وأرى أنه عندما تبدأ الاقتصادات بالتعافي بعد جائحة كورونا، سوف يدرك العديد من صناع القرار والمديرين التنفيذيين أنّ هذه الجائحة ستشكل مفترق طرق تجبرهم على التكيف والابتكار وتغيير العديد من المفاهيم الاقتصادية والاجتماعية التي لا تستجيب للأزمات الطارئة، مما يستوجب تبني مفاهيم مرنة تستجيب للطوارئ، فهذا هو المُخرج الطبيعي للعديد من الأزمات، وذلك لأن صناع القرار يتأقلمون مع المتغيرات، في المدى القصير، مع التركيز على إعادة هيكلة استراتيجياتهم، على المدى الطويل، والانتفاع من الدروس المستفادة، من هذه الأزمات.
وختاماً، أتوقع أن تتحول معظم تجارة التجزئة إلى التجارة الإلكترونية، نسبة إلى أن الشركات التي قدَّمت خدمات التسوق عبر الإنترنت، حافظت على عملائها، بجانب كسبها عملاء جدد، بعكس الشركات الأخرى التي لم تستطع التكيف وتقديم خدماتها، بشكل إلكتروني، حيث عانت العديد من الخسائر والتحديات المالية وجميعها مرتبط بالتغيير في سلوك المستهلك، خلال هذه الجائحة، مع الأخذ في الاعتبار أن جميع هذه التغييرات المتوقعة، سيكون لها أثر كبير، على السياسات المالية والنقدية وسوق العمل.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734