الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تنفيذا لأمر خادم الحرمين الشريفين (حفظه الله) في تخفيف آثار جائحة فيروس كورونا المستجد على القطاع الخاص وخاصة المنشآت الصغيرة والمتوسطة والأنشطة الاقتصادية الأكثر تأثراً – قدمت 22 جهة حكومية 82 مبادرة، بقيمة تجاوزت 172 مليار ريال. ولحقتها بحزمة تعزيزية إضافية بقيمة 50 مليار ريال.
قُدِمت هذه المبادرات من عدة وزارات ومؤسسات وهيئات حكومية. ولكن ما لفت النظر – في كل الجهات المبادرة الرائعة – كانت وزارة الصناعة والثروة المعدنية التي أخذت خطوة إضافية تحسب لها في دعوة – مشارِكة معها هيئة المحتوى المحلي كما جاء على صحيفة مال الاقتصادية في 4 أبريل 2020 – مصانع التكييف والالكترونيات والبلاستيك لإنتاج أجهزة التنفس الصناعي محليا للمساهمة في مواجهة الجائحة.
بالرغم من أن هذه الصناعة معقدة إلكترونيا وميكانيكيا وليست بالبساطة التي يعتقدها الكثير خاصة أننا لا نملك المعرفة الكافية في الصناعات الدقيقة، تظل الدعوة جريئة وفي وقتها. وهي إشارة في غاية الأهمية الى أن الوزارة تستثمر حتمية الظروف الحالية لإيجاد توجه استراتيجي نوعي يصب في مصلحة تنمية الصناعة السعودية.
دعوة الوزارة الجديدة بمثابة إعلان عن بداية عصر جديد في الصناعات الدقيقة. في هذا التوجه، لا جدال في أن أمام الوزارة العديد من التحديات التي تحتاج لأدوات تستطيع بواسطتها صنع هذه الإضافة النوعية للصناعة السعودية. ومن أهم هذه الادوات هو إيجاد منظومات صناعية رشيقة (عادة صغيرة ومتوسطة) لتساهم في تسريع عجلة التنمية المنشودة. سواءا في دعم الصناعات الكبيرة المتواجدة حاليا أو لتأسيس قاعدة صناعات جديدة (صغيرة الأحجام وقوية التأثير) تتواكب مع تطلعات رؤية 2030 بما فيها التي ستوجدها الحاجة التي كشفت عنها جائحة فيروس كورونا المستجد.
لكن عملية إيجاد هذه المنظومات الصناعية الرشيقة تحتاج الى تأسيس منصات تمكينية تصنعها وتؤهلها. وهذا يحتاج الى عمل تكاملي – في هيئة مجالس حسب القطاع الصناعي – تقوده وزارة الصناعة بالمشاركة مع الشركات الصناعية الكبرى في كل قطاع. وهي فرصة أيضا لكي تستضيف الوزارة هيئتي المحتوى المحلي ومنشآت للتعاون. وأيضا الكليات الهندسية والصناعية المتخصصة في تأسيس هذه المنصات التمكينية. بحيث تعمل هذه المجالس على تعريف المتطلبات والاليات لتصميم وتشغيل منصات – حسب كل قطاع صناعي – لكي تُوجد وتُطور منشآت (مصانع) صغيرة ومتوسطة مؤهلة لتنفيذ صناعات جديدة بتنافسية عالية ومساهمة في مجمل الناتج المحلي. إضافة الى تأهيل هذه المنشآت للتكامل مع المصانع الكبرى. وتأهيلها أيضا للتوسع في تقديم منتجاتها وخدماتها في الأسواق الإقليمية والعالمية.
المنصات التمكينية للمصانع الرشيقة تختلف آلياتها وادواتها بحسب طبيعة القطاع الصناعي. لذلك، دور القطاع الخاص المتمثل في الشركات الكبرى هام لإنجاح الدور القيادي لوزارة الصناعة الفتية في إيجاد هذه المنصات التمكينية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة. ولكن كل المنصات لا بد أن تعمل – في المقام الأول – لصالح أمننا الاقتصادي القائم على مفهوم التكلفة البديلة، والاجتماعي المرتبط بالوصول لحد الاكتفاء الذاتي. وعليه، يكون عملها على خمس محاور عامة:
أولا:
إيجاد وتأهيل منشآت صغيرة ومتوسطة ذاتية. بمعنى منشآت مستقلة لا تنتمي لتكتل Conglomerate أو لشركة متعددة الجنسيات Multinational. حتى ينعكس المخرج إيجابا على زيادة عدد هذه المنشآت وبعيدا عن الاحتكارات. فتزداد معها المنافسة والتنوع التكاملي فيما بينهم – كمنشآت صناعية رشيقة – ومع الشركات الكبرى في كل قطاع صناعي.
ثانيا:
رعاية رواد الأعمال الابتكاريين وتمكينهم من العمل على تصميم وتطوير التقنيات والمنتجات الجديدة التي ستحتاجها وتشتريها الشركات الصناعية الكبرى لاحقًا. مما يخلق بناء قاعدة بحثية صناعية علمية منتجة. وأيضا بناء قاعدة موردين ثابتين لشركات القطاع الصناعي محليا وإقليميا.
ثالثا:
تأهيل هذه المنشآت في الخدمات الصناعية والإنتاج والإمداد لتكون قادرة للمساهمة في رفع الكفاءة التشغيلية في سلاسل التوريد الخاصة بشركات القطاع الكبيرة. مما يقلل من مخاطر انقطاع هذه السلاسل اللوجستية، خاصة في أوقات الظروف القاهرة محليا أو دوليا.
رابعا:
تفعيل مفهوم المحتوى المحلي في شكله الواسع. فتعمل الشركات الكبرى المشاركة في هذه المنصات التمكينية على إدارة عمليات تطوير قدرات هذه المنشآت من خلال توفير المزيد من الموظفين المؤهلين فيها والذين تكون قد دربتهم تحت إشرافها المباشر. ومساعدة هذه المنشآت فنيا لتلبية المعايير المطلوبة للعمل بها لتخدم الشركات في كل قطاع الصناعة التي تنتمي اليه.
خامسا:
لا ينتهي الأمر هنا، ولكن تكون الشركات الكبرى المساهمة في المنصات – في نفس وقت تأهيل المنشآت الصغيرة والمتوسطة – تعمل على تعديل نظام المشتريات الخاص بها عن طريق تجزئة العقود لفتح باب أوسع أمام مشاركة هذه المنشآت المدعومة كموردين لهم.
حان لنجم وزارة الصناعة والثروة المعدنية أن يسطع – بالمشاركة مع كبرى الشركات الصناعية – لبناء منصات تمكينية وتأهيلية للمنشآت الصناعية الصغيرة والمتوسطة لخلق صناعات رشيقة بخدماتها في كل قطاع صناعي بالمملكة. وفكرة الوزارة الإبداعية في تصنيع أجهزة التنفس الصناعي محليا تؤهلها أن تبدأ بقطاع الصناعات الطبية التي تزخم بالمنتجات الصغيرة والهامة في الرعاية الصحية والبيئية بالمملكة ودول أخرى مجاورة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال