الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
قبل عام ذهبت الى النرويج سائحاً، سحرت بجمال طبيعتها، ولم يكن ذلك السبب الوحيد لإعجابي بها، بل أبهرتني هذه الدولة في استراتيجيتها الذكية.
دولة النرويج غنية بالمال والثروات، ولكنها حتى نهاية التسعينات كانت مثقلة بالديون. النفط والغاز اكتشف في نهاية السبعينات، لكن بدأت الاستفادة منه في نهاية الثمانينات؛ لأن بناء البنية التحتية يستغرق الكثير من الوقت.
لم يستخدم النرويجيون عوائد النفط والغاز لتسديد ديونهم، بل أسسوا به الصندوق النرويجي الجبار في عام 1990، وحصل على أول تحويل مالي في عام 1996، اليوم يعد أكبر صندوق سيادي في العالم، وهنا كانت البداية لحكمة الإدارة النرويجية، الصندوق أسس لبناء اقتصاد مزدهر للأجيال الحالية والأجيال القادمة؛ لأنهم كانوا يفكرون على المدى الطويل.
النرويج تملك دخلًا هائلًا من النفط، لكن هذا النفط سينضب يومًا ما، وأسعاره تتذبذب. لذلك يعد الصندوق حماية للاقتصاد النرويجي، ويتيح الفرصة للاستفادة من الثروة النفطية، ويدير الصندوق البنك المركزي.
نسبة عائدات النفط والغاز أقل من نصف قيمة الصندوق، وما تبقّى كان من خلال استثماراتها في الأسهم والدخل الثابت والعقارات، واليوم قيمة الصندوق تتجاوز 1.1 ترليون دولار.
من نجاحات هذا الصندوق أنّه خلال أزمة 2008 عندما عصفت أسعار الأصول العالمية؛ قرر الصندوق النرويجي اقتناص الفرص الاستثمارية الجيدة مما أدى إلى رفع حصتهم في الأسهم من 40 ٪ إلى 60 ٪ ، وهذه الاستثمارات أدت لاحقًا إلى نمو كبير تمتع بها الصندوق.
يستثمر الصندوق في أكثر من 9,000 شركة مدرجة حول العالم، ويملك 1.5 ٪ من الأسواق العالمية، وحقق الصندوق عائدًا سنويًا مقداره 4.2 ٪ منذ 1998، ويمول الحكومة بـ 3 ٪ من حجم أصوله سنويًا بحد أقصى.
توزيع الأصول لدى الصندوق في نهاية 2019 كان 70.8 ٪ في الأسهم و26.5 ٪ في الدخل الثابت، و2.7 ٪ في العقارات غير المدرجة، والصندوق لا يستثمر داخل النرويج، ويعد صندوقًا أخلاقيًا، أي لا يستثمر في النشاطات غير الأخلاقية، كالأسلحة النووية والتبغ وغيرها.
خرج الصندوق النرويجي من الأزمة المالية في عام 2008م منتصرًا، لكنّه اليوم مع أزمة فيروس كورونا والإنهيار التاريخي في سوق النفط يضطرّ لأول مرة في تاريخه لبيع جزء من أصوله لتمويل الدولة وتغطية عمليات السحب التي تجاوزت التدفق النقدي الذي يحققه الصندوق.
نحن نمر اليوم في أسوأ أزمة اقتصادية مرت على العالم الحديث، وتعد أكبر تحدٍ يواجه العالم منذ الحرب العالمية الثانية، ومثل هذه الأزمات تخلق فرصًا استثمارية عديدة لمن يملك النقد.
وكما استطاع الصندوق السيادي النرويجي أن يستثمر في ظل أزمة 2008، لا أشكّ بأننا بعد عدة سنوات سوف نتحدث بفخر عن اقتناص الفرص الاستثمارية من قبل صندوق الاستثمارات السعودي لهذه الأزمة، وحتى هذه اللحظة شاهدنا عدة صفقات قام بها الصندوق في خضم هذه الأزمة وخطوات جادة من خلال تشكيل لجنة مختصة لمتابعة واقتناص الفرص الاستثمارية التي خلقتها أزمة كورونا.
الصندوق اليوم يتمتع بكفاءات وطنية عالية لن تمر عليهم هذه الأزمة مرور الكرام، وسوف يعمل صندوق الاستثمارات السعودي لبناء اقتصاد قوي يتمتع بالنمو
المستدام لتحقيق تطلعات الأجيال القادمة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال