3666 144 055
[email protected]
أهم التحديات ألتي تواجه الاقتصاد السعودي بعد رفع منع التجول الأحد الماضي ، هو أهمية إتباع استمرار قيود التباعد الاجتماعي خلال الفترة القادمة، ومدى قدرة الحزم التحفيزية ألتي اطلقتها الدولة من أجل المحافظة على الاقتصاد السعودي، وعودته للنشاط، وهذه النسب التحفيزية تأتي بعد أستراليا وأمريكا ألتي قدمت حوافز تصل إلى نسبة 10 في المائة من الناتج الإجمالي.
وقدمت دول مثل كندا وألمانيا والصين حوافز بلغت ما بين 1.5% الى 4 في المائة كحوافز للقطاع الخاص، وقدمت السعودية حزمة تحفيزية بقيمة 177 مليار ريال تعادل 6 في المائة تقريبا من الناتج الإجمالي منها 70 مليار ريال لمبادرات متنوعة من وزارة المالية، و 50 مليار ريال من مؤسسة النقد السعودي.
وتتعدد مواطن الدعم في الحزمة التحفيزية إلا أن أبرزها هو برنامج تأجيل دفعات التمويل المستحقة لجهات التمويل خلال الستة أشهر القادمة بمبلغ 30مليار، و 13 مليار و200 مليون ريال لدعم التمويل الميسر للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى صرف 9مليارات لدعم برنامج “ساند” من خلال تعويض للعاطلين عن العمل بسبب الجائحة بنسبة 60 في المائة لمدة 3 أشهر، وتعجيل دفع الجهات الحكومية لمستحقات القطاع الخاص، وخصم 30 في المائة من فاتورة الكهرباء للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، وتفعيل المحتوى المحلي للشركات الحكومية وشبه الحكومية. ومن المتوقع أن تساهم تلك المبادرات في الحفاظ على النشاط الاقتصادي.
والأمر المهم هو تعافي أسعار النفط، فضلا عن انخفاض الطلب في الأسواق العالمية إلا انه يواجه حرب أسعار وفائض في الإنتاج. وتراجع أسعاره سيؤثر على دول الخليج وخاصة في إيراداتها.
رفع الحظر لا يكفي إنما يجب أن يتم بشكل تام على كافة الأنشطة التجارية وتعود الحياة إلى طبيعتها، مع فرض الاشتراطات الاحترازية وأهمية التباعد الاجتماعي، بالطبع هذا في أيدينا إما أن نتعافى سريعا أو نتعافى متأخرا، وكلما تعافينا بشكل أسرع كلما كانت فرصة تحسن الاقتصاد وخلق فرص عمل وتقليل التضخم، وجميع الدول الأن في تحد لكيفية التعافي السريع لتعوض الخسائر التي لحقتها من جراء إغلاق المتاجر وعزل الناس.
من التجارب التي تستحق الاهتمام خلال أزمة كورونا، ما حدث مع دول مثل كوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة، حيث أنها لم تقم بفرض حظر تجول وإغلاق المراكز التجارية مثلما فعلت معظم الدول ، إنما اكتفت بمنع التجمعات والمناسبات ذات الأعداد الكبيرة وإغلاق المنافذ والرحلات الدولية، وسجلت هذه البلدان حالات قليلة فقط، مع أنها قريبة من الصين ولا تبعد سوى 140 كم، ونحو مليون تايواني يعملون في الصين، كان من المرشح أن يكون العدد اكبر لديها من المصابين، إنما السلطات عرفت كيف يتم محاصرة الفايروس والحال كذلك سنغافورة التي تمكنت من السيطرة على الفايروس دون فرض حظر تجول، واتبعت الشرطة السنغافورية من خلال المحققين العسكريين وذلك بفعل البحث والتحري للحالات المشتبهة بها ومعرفة الأشخاص المخالطين، أما في كوريا الجنوبية فقد تمكنت خلال 18 يوما الضغط على المنحنى وتراجعت لتصبح من أقل الدول في أعداد الإصابات اليومية رغم أنها لم تفرض حظر تجول كامل وتميزت بكثرة إجراء اختبارات فحص الفيروس، علاوة على متابعة وتحري الحالات المصابة بشكل احترافي غير مسبوق .
السعودية بدأت الرفع التدريجي للمنع، ومنها عودة الرحلات الجوية الداخلية وأيضا فتح أجوائها وتشغيل وسائل النقل الأخرى من قطارات وحافلات، حتى التنقل للأفراد بين المدن، وبالتالي سوف ينعش الحركة الاقتصادية، مع ضبط التجمعات والالتزام للإجراءات الاحترازية، ويتطلب من السلطات الصحية أن تتعاون مع الجهات الحكومية الأخرى في وضع اشتراطات لإعادة فتح بعض الأنشطة، فمثلا قطاع العمرة والحج، أصاب قطاعات عديدة مرتبطة بها بالخسائر وأصحابها لا يعرفون متى يبدأ النشاط، مثل قطاع الفندقة والخدمات وحتى تعود العمرة والحج والسياحة هذا يعني من المهم اتباع اشتراطات السلامة في القطارات التي تنقل السياح والمعتمرين، وأيضا أماكن سكناهم والمطاعم، وفي حال ارتفعت الاحتياطات الصحية والتباعد الاجتماعي، فمن المؤكد أن الأسعار سوف ترتفع وتزيد للخدمات والسلع، لتغطية التكاليف التشغيلية.
كلما تعافى الاقتصاد السعودي سريعا من أزمة كورونا كلما كان سببا في احتواء العاطلين عن العمل الذين زادوا خلال الأزمة نتيجة الخسائر التي تعرضت لها بعض الأنشطة وخاصة الصغيرة والمتوسطة، وأيضا فتح فرص وظائف جديدة، يهمنا أن تعود المصانع والشركات الكبرى إلى العمل بكامل طاقتها.
أما الأمر الأخر الذي يجب أن تعمد عليه الجهات الحكومية، هو أن تجعل من الطلب على العمالة الوافدة اكثر صعوبة وفي أضيق الحدود، لترفع بذلك قيمة العامل السعودي وتحال وتشغله في مجالات عديدة حتى لو كانت في وظائف صغيرة ولا يقبل عليها، من باب أن ابن الوطن أولى بنعمة بلده، وتقدم له المزيد من الحوافز والتشجيع، وفي المقابل تعدل الكثير من الإجراءات والأنظمة بما يجعل اقتصادها خالي من الشوائب والخلل، مثل إلغاء الكفيل وتحفيز أصحاب الإقامات المميزة، ومنحهم فرص العمل وممارسة الأنشطة التجارية بأسمائهم، وهذا سيحد من التستر التجاري.
امر مهم آخر كنت آمل من الجهات الحكومية عدم إقدامها بهذه السرعة وهو رفع القيمة المضافة بدءا من يوليو المقبل، بنسبة 15 في المائة يعني أنها رفعت بنسبة 200 في المائة، والأمر الأخر رفع أسعار الجمارك على السلع والبعض منها وصل إلى 15 في المائة، ما يعني أن السلع الاستهلاكية والضرورية سوف ترتفع، وبالتالي ينخفض الطلب عليها، ويؤدي إلى التضخم، نحن نعلم أن مرتبات الكثير من العاملين في القطاع الخاص بموجب تعليمات وزارة الموارد البشرية انخفضت من 30 إلى 40 في المائة، إضافة أن نسبة البطالة زادت بشكل واضح بعد أن أغلقت الكثير من الأنشطة التجارية وحتى تتعافى هذه المؤسسات والشركات سيتطلب وقتا ليس بقريب ان لم تخرج 30 في المائة منها أصلا خلال الأزمة، وبالتالي فضلا عن أزمة كورونا والخوف الذي يسيطر الحكومات، فالشعوب سوف تعاني من زيادة الأسعار، ونقص فرص العمل، وتدني المرتبات.
وعلى الحكومة ان تنشط الصادرات الغير نفطية بشكل محفز ومشجع، وأيضا إعادة التصدير، الاقتصاد السعودي في المرحلة المقبلة يحتاج إلى محفزات وأيضا يعود إلى طريق رؤية 2030 التي رسمت طريقا مميزا للمجتمع السعودي وكافة قطاعاته، وقتها حينما تم إيقاع الضريبة وزيادة الأسعار، تقبلها المجتمع لان تنوع مصادر الدخل أتاحت في خلق فرص عمل وساهمت في ظهور العديد من الشركات والمؤسسات وخاصة الصغيرة، أما في أزمة كورونا فالكل يعاني، فبدلا من أن نختار الأصعب، علينا أن نفتح الطريق لتسير عربة الاقتصاد بقوة وبدون عثرات. وهنا يأتي دور الجهات الحكومية لتمهد الطريق.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734