الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
المملكة -كباقي دول العالم – تمر بمرحلة تحدي كبير وحقيقي لتحديد مسارات المستقبل، وكان هذا التحدي واضحًا للقيادة – حفظها الله – من خلال تدشين رؤية المملكة 2030، والتي أوضحت بجلاء ضرورة العمل وبأسرع وتيرة ممكنة على إجراء تعديلات هيكلية في اقتصاد المملكة وإلا لن نتمكن من المحافظة على المكتسبات التي بنيت بعرق الأجداد في ظل قيادة المؤسس وأبنائه من بعده. وقد جاءت جائحة كوفيد-19 لتؤكد أن أفكار واستراتيجيات المملكة منذ نحو خمسة أعوام لمعالجة الخلل كانت صحيحة ودقيقة.
ويكمن التحدي الرئيس- وما يزال – لتنفيذ برامج الرؤية وتغيير النهج القديم في الإدارة لكافة مفاصل الأجهزة الحكومية، في تطوير الأدوات، والكفاءات، والتنظيم، والحوكمة لضمان تحقيق الأهداف. وقد حاولت القيادة الحكيمة بذل كل الجهود لتوفير تلك المتطلبات وبزمن قياسي. والآن بعد مضي كل تلك السنوات ومع بروز التحديات الجديدة ممثلة في التغييرات التي طرأت وسوف تطرأ تباعًا بعد جائحة كورونا، زاد مستوى التحدي إلى أعلى درجات المخاطر على أكثر من صعيد. ولكن ما يهمنا هنا الشق الاقتصادي، وكيفية إدارة المرحلة من جانب وبقاء العمل لتحقيق الأهداف الاستراتيجية من جانب آخر. ففي المحن تكمن (فرص) الفرص.
وبما أن الاقتصاد يمر بمرحلة تصحيح جذرية كما قلنا مع بدء تنفيذ برامج الرؤية، وهي مرحلة تتسم بالسيولة العالية بسبب حجم التغييرات، جاءت الجائحة لتخلط الأوراق بشكل غير مسبوق وهو تحدي تعيشه كل دول العالم الكبيرة والصغيرة، الثرية والفقيرة، المتقدمة والنامية. كما جاء التراجع الحاد في أسعار النفط ليزيد الطين بلة وليضيف إلى التحديات تحدي آخر في إدارة الإدارة المالية العامة. وقد جاء توقف النشاط الاقتصادي وضرورة تقديم مبادرات كتحدي ثالث يصعب المهمة على السياسات الثلاث: الاقتصادية والمالية والنقدية. وما نزال نعيش حالة من محاولات إعادة التوازن على الأقل بالحدود الدنيا حتى تنقشع الغمة وتعود الأعمال الاقتصادية إلى طبيعتها رغم أن تراجع الإيرادات يحتاج إلى وقت طويل حتى نعود للتوازن، مع العلم أن المملكة ولله الحمد لديها القدرة المالية والاقتصادية على تحمل مزيد من الضغط.
في ظل كل ما تقدم، وبحكم أننا نحتاج إلى اتخاذ قرارات حاسمة وفي زمن قياسي، فإن الأجهزة الحكومية وتحديدًا الوزارات المعنية بالسياسات الاقتصادية والمالية والنقدية، عليها مسئولية كبيرة في أن تكون قراراتها صحيحة وفي التوقيت المناسب، في ظل معطيات معينة قد تكون محدودة المعلومات، أو أن الصورة ما تزال ضبابية. وبالتالي الجميع عليه مسئولية الموازنة بين أهمية اتخاذ القرارات الاستراتيجية في التوقيت المناسب، وبين تمحيص هذه القرارات والتأكد من أنها مناسبة للوضع والوقت الذي تتخذ فيه. وعليه أتمنى أن نأخذ من بعض التجارب الدولية أفكار ونماذج مناسبة، وأن نكون أيضا مبدعين في الحلول ولسنا مقلدين أو معتمدين على أفكار مستوردة.
لذا أرى أن يكون لدينا وزير -أو وزارة- ظل، يتناغم/ تتناغم بشكل يومي مع عمل الوزارة وقراراتها، ويكون/ تكون عين فاحصة للقيادة الرشيدة في إعطاء وجهة النظر في توقيت مناسب دون إبطاء أو تأخير. وبالتالي يكون أمام القيادة وجهتا نظر تساعدانها في دعم اتخاذ القرارات أو تعديلها، قبل أن تصدر بشكل رسمي؛ الأمر الذي يعطي مزيدًا من الثقة ويقلل من التوجس الذي قد ينشأ من بعض القرارات التي تصدر ويعلم الجميع أن لها تأثيرات متعدية وذات أبعاد كثيرة اقتصادية واجتماعية.
هذا المقترح يمكن تعديله أو تطويره بأشكال أخرى مثل فكرة إنشاء مجلس استشاري ملزم لكل وزير لعرض القرارات الاستراتيجية للنقاش وأخذ وجهات نظر المجلس، من خلال نظام حوكمة مناسب بدعم وتوجيه القيادة حتى تعظم الاستفادة من الفكرة.
المهم أن يكون هناك حد أدنى من مراحل اتخاذ القرارات الاستراتيجية، وضمان أن يكون العمل بناء على رؤية للوزارة واضحة لا تتغير بنسبة 180 درجة بتغيير الوزير، كذلك تساعد الفكرة على دعم مكتب تنفيذ الرؤية والموجود في كل وزارة. فوزير -أو وزارة- الظل أو المجلس الاستشاري الملزم يضع في اعتباره الخطط الرئيسية لأهداف رؤية المملكة 2030، وكذلك ضمان أن تلك الأهداف – أيًّا كان الوزير المسئول – لا تحيد عن مسارها. وإذا ما تم تنفيذ الفكرة فإن ذلك سوف يساعد أيضًا في توفير الوقت والمال،
ويكفي أن يقلل نسب الخطأ في القرارات مما يعني ضياع فرص ومال ووقت إذا ما تم إلغاء أو تعديل القرارات فضلًا عن الثمن المدفوع لقرارات قد تكون كلفتها الاقتصادية نتيجة قرارات غير مدروسة باهظة على الاقتصاد ككل. ولدينا تجارب سابقة تؤكد ذلك.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال