الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
نشأ القطاع المصرفي في المملكة في بداية القرن العشرين عن طريق مصارف العملات التي اشتهرت وازدهرت في المنطقة الغربية نتيجة استقبال المملكة للحجاج والمعتمرين، وبدايةً للتطور القانوني والتشريعي في القطاع المصرفي تم إندماج أكبر مصارف العملات في المملكة شركة صالح وعبدالعزيز كعكي ، وشركة سالم بن محفوظ ، ليكونا بعد إندماجهما أول بنك سعودي مسجل قانوناً بمسمى البنك الأهلي.
بعد ذلك بدأت العملية التنظيمية في القطاع المصرفي في المملكة بصدور نظام مؤسسة النقد العربي السعودي 1957، وتبعه صدور نظام مراقبة البنوك 1966. و أستمر الترخيص للبنوك التي شهدت ازدهاراً نتيجة الزيادة الضخمة في السيولة بسبب الطفرة الأولى لأسعار النفط في السبعينات الميلادية التي تعتبر أوج ازدهار البنوك السعودية.
ولكن بعد انخفاض أسعار النفط إضافة إلى حرب الخليج الأولى الأمر الذي تسبب بانخفاض الإنفاق الحكومي مما جعل بعض البنوك تفكر في الاندماج و الاستحواذ ، وقد شهد عام 1996أول إندماج بين بنك القاهرة و البنك السعودي التجاري المتحد ، في عام 1988قام الأمير الوليد بن طلال بشراء حصة أغلبية في البنك السعودي التجاري المتحد الذي كان مؤسسة مالية متعثرة وأصبح من أفضل البنوك ربحية في الخليج، فقد زادت حقوق المساهمين أكثر من 800% وزادت قيمة أسهمه السوقية عشرين ضعفاً. قام الأمير عام 1997بدمجه مع بنك القاهرة السعودي تحت اسم البنك السعودي المتحد ، ثم تم اندماج البنك السعودي المتحد مع البنك السعودي الأمريكي والذي نشأ منه مجموعة سامبا المصرفية عام 1999. في حين أن الإندماج الثالث هو ما تم الإعلان عنه قبل فترة بشأن اندماج بنك ساب مع البنك الأول ، لينشأ عنه كيان جديد وسيرأس مجلس إدارته سيدة الأعمال المشهورة لبنى العليان . وآخر إعلانات الاندماجات في القطاع المصرفي في المملكة هو ما تم مؤخراً بشأن الاتفاقية الإطارية التي وقعت بين البنك الأهلي وبنك سامبا للاندماج فيما بينهما.
تجدر الإشارة إلى عمليات الإندماج والاستحواذ في القطاع المصرفي ليس خاصاً في المملكة في هذا الزمن، لأنه حدث بكثرة في عدد من الأنظمة المصرفية حول العالم وذلك لمواجهة التحديات ، واستغلال الفرص المتواجدة خاصةً في ظل تنامي استخدام التقنية ، وضعف السيولة ، ولهذا صرح وزير المالية الهندي في مؤتمر صحفي عُقد في أغسطس 2019، إن 27بنكًا عامًا في عام 2017انخفضت إلى 12بعد الإعلان عن تنفيذ عمليات الدمج، حيث تم اندماج ستة PSBs أصغر مع State Bank of India واندماج Vijaya Bank و Dena Bank مع Bank of Baroda.
أما منطقة الخليج فقد شهدت موجة استحواذات واندماجات في القطاع المصرفي ، حيث شهدت دولة الإمارات العربية ولادة أكبر بنك في الدولة نتيجة اندماج بنك أبوظبي الوطني وبنك الخليج الأول ليكون بنك أبو ظبي الأول ، كما أن هناك عملية استحواذ بين بيت التمويل الكويتي على بنك الأهلي المتحد البحريني.
ومثل هذه الاندماجات تحقق على سبيل المثال لا الحصر من الناحية الاقتصادية: تحسين مؤشرات الربحية، وتخفيض المصروفات وبالتالي الإنعكاس الإيجابي على مساهمي البنوك من حيث الأرباح والتوزيعات النقدية، إضافة إلى جودة أصول الكيان الجديد ، وارتفاع القاعدة الرأسمالية ، وكفاءة رأس المال بمعدلات تفوق متطلبات الجهات الرقابية المحلية والعالمية مثل لجنة بازلBasel Committee إضافة إلى زيادة فرص الكيانات المصرفية الجديدة في توسيع عملياتها الائتمانية والتمويلية بسبب الوفورات الرأسمالية الضخمة نتيجة الإندماجات.
بعد تحقيق القطاع المصرفي في المملكة نتائج إيجابية في 2019، دخل القطاع العام 2020الاستثنائي على الجميع في تحد جديد مستهدياً بخارطة الطريق المقدمة من رؤية 2030التي استهدفت تطوير آليات التمويل من خلال خلق كيانات قادرة على تمويل مشاريع البنية التحتية ، والصحة ، والتعليم ، والترفيه.
بالعودة إلى خبر إعلان إندماج البنك الأهلي مع مجموعة سامبا ، أود الإشارة ابتداء إلى أن مثل هذا الإندماج سيخلق كياناً ضخماً يعد ثالث أكبر بنك في منطقة الخليج ، حيث أن أكبر البنوك الخليجية من حيث رأس المال هو بنك قطر الوطني برأس مال يبلغ 244مليار دولار أمريكي، يليه بنك أبو ظبي الأول برأس مال قدره 210مليار دولار. في حين أن الكيان الجديد سيعتبر أكبر بنك في السعودية ، الأمر الذي سيعزز من قدرته في منافسة باقي بنوك المنطقة.
كما أن الكيان الجديد سيؤدي إلى سيطرته على سوق تمويل الشركات في السعودية وفقاً لتقرير صادر عن بعض بيوت الخبرة المالية، إضافة إلى سيطرته على الودائع المحلية بما نسبته 30% أو بما يعادل 553مليار ريال ليكون الأول على مستوى المملكة ، كما سيسيطر الكيان الجديد على ما نسبته 29% من سوق التمويل والقروض في المملكة.
وقبل التطرق للتحديات القانونية التي سيواجهها هذا الإندماج ، أود الإشارة إلى أن أبرز النصوص القانونية التي ستحكم عملية الإندماج هي المواد: 190-191-192-193من نظام الشركات ، ونظام المنافسة 1440، ولائحة الإندماج والاستحواذ ، ولائحة حوكمة الشركات الصادرتان من مجلس هيئة السوق المالية، إضافة إلى عدد من الأنظمة واللوائح في هذا الصدد.
لكن الإيجابيات الاقتصادية المشار إليها ، قد يواجهها بعض التحديات القانونية التي سنسلط الضوء عليها من خلال النقاط التالية:
أولاً: اختلاف الثقافة المؤسسية بين البنك الأهلي ومجموعة سامبا؛ الكثير من عمليات الإندماج المصرفية يتم النظر فيها إلى عملية الإندماج من حيث المتطلبات القانونية ورقياً ، من دون استشراف أو دراسة وضع موظفي البنكين وثقافتهما؛ الأمر الذي يؤدي في بعض الأحيان إلى فشل عملية الإندماج نتيجة لفشل تقييم الملاءة الثقافية للبنكين. و لمعالجة هذا الأمر، ولتجنب فشل الإندماج لابد من مراعاة أهمية توافق استراتيجيتي البنك الأهلي مع مجموعة سامبا. فعلى سبيل المثال: من أبرز استراتيجيات البنك الأهلي وأهدافه ومنجزاته وصوله إلى التحول الكامل من المصرفية التقليدية إلى المصرفية الإسلامية، هذه الاستراتيجية قد تواجه بعض الصعوبات في الإندماج مع استراتيجية مجموعة سامبا التي لا زالت تعتبر مصرفاً تقليدياً يقدم بعض المنتجات والنوافذ الإسلامية، وبالتالي فمن المستحسن أن يقوم المستشار القانوني على عملية الإندماج بالتأكد من هذه المسألة ووضع الحلول المناسبة له.
ثانياً: مخاطر عدم تحقيق مبادئ الالتزام والحوكمة: من أبرز ما تضمنه تقريري البنكين الراغبين بالإندماج هي الغرامات الجزائية التي تم فرضها من قبل مؤسسة النقد العربي السعودي، فبحسب التقرير المنشور في تداول أوضحت إدارة مجموعة سامبا أنه تم فرض 54.6 مليون ريال على كغرامات على مخالفة تعليمات المؤسسة الخاصة بمستوى أداء أجهزة الصرف الآلي وأجهزة نقاط البيع، و مخالفة تعليمات طلب بيانات، إضافةً إلى متطلبات التعيين في المناصب القيادية، وعطل تقني ، و تعليمات الكشف والحجز على الأرصدة والحسابات، وتعليمات الفحص، إضافةً إلى مخالفة تعلیمات المؤسسة الخاصة ببذل العنایة الواجبة في تنفيذ بعض المتطلبات الأخرى الخاصة بالعملاء، في حين أن تقرير مجلس إدارة البنك الأهلي التجاري كشف عن عدد الغرامات التي فرضتها مؤسسة النقد على البنك الاهلي في 2017 والتي بلغت 36 غرامة وبقيمة 61مليون ريال في حين أن غرامات البنك في عام 2018 تركزت على مخالفة تعليمات المؤسسة الخاصة بحماية العملاء، و مخالفة تعليمات المؤسسة الإشرافية ، فيما جاءت مخالفتين بقيمة 1.2مليون ريال، إضافةً إلى مخالفة تعليمات المؤسسة الخاصة ببذل العناية الواجبة في مكافحة غسل الاموال وتمويل الارهاب.
ولا شك في أن مثل هذه الأرقام تستدعي مراعاة رفع مستوى الالتزام لدى البنكين في عملية الإندماج من خلال نصوص واضحة وصريحة، خاصةً و أن الدراسات أثبتت أن هناك علاقة ارتباط طردية معنوية بين متغيّر مدى الالتزام بتطبيق مبادئ الحوكمة وكفاءة أداء المصارف في المملكة العربية السعودية.
ثالثاً: تحقيقٌ أم تعارضٌ لمبادى المنافسة؛ كما ذكر آنفاً فإن الكيان الجديد الناتج عن عملية الإندماج سيستحوذ على ما نسبته 30% من سوق الودائع ، و29% من سوق التمويل وهي نسبة عالية في قطاع مهم يمثل عصب الاقتصاد في المملكة ، الأمر الذي يطرح تساؤل هل عملية الإندماج سينتج عنها إخلال بضوابط المنافسة المشروعة المنصوص عليها في نظام المنافسة الجديد1440هـ، وهل من شأن عملية الإندماج بين البنكين خلق حالة احتكارية في القطاع المصرفي تخل بحالة التركز الاقتصادي. هناك عدة إجراءات تتعلق بتطبيق الأحكام القانونية النصوص عليها في نظام المنافسة، ولا شك بأن المحامين والمستشارين القانونيين المشرفين على عملية الإندماج على علم بها.
رابعاً: هل سيطرة الأكثرية نتيجة عملية الإندماج يأذن بتعارض المصالح مع حقوق الأقلية في البنكين. عملية الإندماج تنطوي على وجود أطراف ذوي علاقة، كما يوجد لعدد من أعضاء مجلس الإدارة مصلحة في الصفقة المحتملة ، فبحسب موقع تداول فإن صندوق الاستثمارات العامة يملك ما نسبته 44% في البنك الأهلي ، و تقريباً 23% في مجموعة سامبا ؛ الأمر الذي قد يجعل الصندوق يسيطر على الأكثرية بعد الإندماج ، هذا الشيء يعني ببساطة القدرة على التأثير في القرارات المتعلقة بسياسات و توجهات الكيان المصرفي الجديد.
وعلى الرغم من أن نظام الشركات تضمن بعض الأحكام القانونية المتعلقة بحفظ حقوق المساهمين من خلال الجمعية العامة العادية تجاه أعضاء مجلس الإدارة ، إضافة إلى لائحة حوكمة الشركات الصادرة من مجلس هيئة السوق المالية، والمتعلقة بحقوق المساهمين، وصلاحيات الجمعية العمومية ، و أصحاب المصلحة ، إلا أن مسألة الأكثرية في مواجهة الأقلية في الشركات المساهمة من القضايا التي تعصف بالشركات حول العالم وتؤدي عادةً إلى الإنقسامات ، وتعطيل الشركات ؛ ولهذا يتم عادةً معالجة مثل هذه المسألة بنصوص نظامية واضحة ، أو من خلال سوابق قضائية كما هو الحال في القضية الشهيرة في النظام الإنجليزي Irvine & Ors v Irvine & Anor
و ستكشف عملية دراسة العناية المهنية اللازمة أو ما يسمى Reciprocal due diligence process عما إذا كان هناك سيطرة أكثرية بالقدر الذي سيؤثر على توجهات واستراتيجيات الكيان الجديد من عدمه.
أخيراً أتمنى للمحامين والمستشارين القانونيين التوفيق في هذا المشروع الجبار.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال