الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
من أكثر الكيانات انشغالا في بحث ومناقشة تداعيات الأزمة الاقتصادية هذه الأيام – بسبب جائحة كورونا وما سيتبعها – هي مجالس إدارات الشركات (خاصة الضخمة)، والسؤال هنا: ما التحدي الأهم الذي يواجه هذه المجالس والذي يستدعي كل هذا الانشغال؟
جائحة كورونا كانت كارثة أيقظت العالم على حقيقة أن كل شيء يمكن أن يتغير في لحظات، فمن نتائجها ما نراه وسنراه من تراجع مؤلم في إجمالي الناتج المحلي لكل اقتصادات العالم، وخسائر وانهيارات لشركات تجارية – سواءا مدرجة في أسواق الأوراق المالية أو غير مدرجة – وربما اختفاءها للأبد، وحالة عدم تيقن حول المستقبل المنظور في ظل فترة تعافي لا يُعرف إذا ما كانت ستستغرق في حدود سنتين، أو عشر سنوات كما هو متوقع من لجنة الميزانية في الكونجرس الأمريكي بخصوص اقتصاد الولايات المتحدة الذي لن يعوض خسائره – بسبب الجائحة وما نتج عنها من عمليات إغلاق – حتى عام 2030. ومع حقيقة أنه لا يوجد لقاح – حتى الان – لفيروس كورونا، فإن اقتصاد العالم على “كف عفريت” كما يقال، أما المستقبل البعيد فقضية أخرى.
هذا يتطلب مواجهة جادة جدا، خاصة أنه لا يُعرف بعد ماهي تبعات الجائحة مثل موجات أخرى لها، أو جوائح جديدة. هذا إضافة لتحديات أخرى مثل خطط استعادة المجد الأمريكي، والانتخابات الأمريكية في نوفمبر القادم، وماذا ستكون نتائج ما يحصل في الولايات المتحدة وتأثيره على خارطة الاقتصاد العالمي، خاصة مع تطور صدام الولايات المتحدة مع الصين في عدة ملفات على رأسها ملف السيطرة على تكنلوجيا الاتصالات، واستعداد الصين لهذا التصعيد وكأنها تقول للأمريكان، إن أردتم البقاء في الطليعة فعليكم قبولنا شركاء لكم في هذا الدور، أو أوضاع صناعة النفط العالمي التي انخفضت فيها استثمارات المنبع بشكل مقلق مما سيكون له نتائج عكسية على العرض أمام الطلب مستقبلا، ليسبب ارتباكات في الأسواق لاحتمالية ارتفاعات قياسية في الأسعار، أو مفاجأة غير متوقعة في تكنلوجيا الطاقة البديلة تعكس المعادلة رأسا على عقب، أو أسواق الأوراق المالية الفقاعية والتي لا تعكس القيم الحقيقية للاقتصاد العالمي ويمكن أن ينتج عن هذه الفقاعات أزمات مالية دولية، أو الأوضاع الجيوسياسية التي ممكن أن تؤثر على خطوط الملاحة وسلاسل الامدادات، أو حتى توفر الحبوب خاصة القمح والموارد المائية – وهما أساس الصراع البشري منذ الأزل – أو كل هذا جميعا.
زمن ما كان متعارف عليه كمهمات مجالس الإدارات للشركات مثل الإشراف العام ومراجعة الحسابات ومتابعة مهام لجان منبثقة انتهى، والحاجة إلى قيادة هذه المجالس المباشرة أصبحت مطلب، وبثنائية الاستراتيجية في التركيز على دفع النمو على المدى القريب مع التحوط الشديد من المخاطر، والسعي الحثيث لابتكارات تدعم فرص الاستدامة طويلة المدى. هذا يمثل التحدي الثقيل أمام مجالس إدارات الشركات اليوم، كما أن دور هذه المجالس في توجيه ومراقبة مباشرة ودقيقة لأداء الإدارات التنفيذية للشركات على التنقل المتوازن بين الاستراتيجيتين في ظل التوتر الذي يعيشه العالم أصبح احتياجا في غاية الأهمية.
فالشركات تحتاج الى إعادة هندسة كل ما يتعلق بنموها على المدى المنظور واستدامتها على المدى الطويل، وهذا يتطلب النظر في هيكلة الشركات المتخمة أو المترهلة وتكاليفها التشغيلية دون ظلم التكاليف الرأسمالية، وهي مسألة دقيقة وتحتاج لمحترفين يعرفون جيدا كيف يتعاملون مع هذه المعادلة، وما يلحقها من إعادة بناء لبنى الشركات التشغيلية والاستثمارية، وعلاقاتها مع الموظفين و الموردين و المستهلكين و المستثمرين، بل وأيضا المجتمعات التي سيكون لها حراك تجاه الشركات التي تعمل فيها ومدى فعالية مشاركة هذه الشركات في خدمة المجتمعات، وأيضا تسريع التحول الرقمي واستكشاف واستقطاب المواهب الإدارية والفنية، وتنشيط ثقافة الابداع والابتكار كأصل استراتيجي في أعمال الشركات، وتعزيز التواصل والمشاركة مع ذوي العلاقات التجارية والمجتمعية، لأن الميزات التنافسية للشركات – في المستقبل – ستتمحور حول قوة التكامل فيما بينهم أكثر من التصارع.
أزمة كورونا كشفت الكثير لمجالس إدارات شركات عديدة، وربما كانت تنتظر هذه الصدمة لكي تنظر في نهجها القيادي وحوكمتها الإدارية، فالمستقبل بحاجة إلى مجالس إدارة ذات قدرات قيادية “برجماتية” ومحترفة ومتنوعة، قائمة على الكفاءات أكثر من الولاءات، ولا تعترف باصطفافات أو تكتلات أو أحادية القطبية كما كان حاصل في كثير من الشركات سابقا، وقادرة على التوجيه والرقابة ضمن استراتيجية ثنائية لمواجهة التحديات الجديدة في عالم المال والأعمال وأثرها في تقصير عمر الشركات.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال