لجودة الحياة وجه جديد 

عندما أخبرني أحدهم قبل فترة بأن الإنارة التي تضيء برج الساعة في مكة قد تم اختيارها بعناية حتى يسهل على المارة معرفة توقيت دخول الصلوات عن بعد ، شعرت بسعادة كبيرة على اعتبار أن التفكير في جميع فئات المجتمع هو أمر محمود. ومع ذلك فأنا لا أخفيكم سراً بأن سعادتي كانت أكبر خلال زيارتي لمسجد معمور الذي أبى إلا أن يكون أيقونة يحتذى بها في مجال الابتكار، وذلك من خلال تغيير مفهوم مساجد الأحياء حتى تصبح بمثابة منشآت تملك القدرة الكاملة على التشغيل الذاتي، دون الاستعانة بأي معونات خارجية. 

الأفكار الخارجة عن المألوف قد تبدأ غير مستساغة، لكنها ما تلبث أن تنال إعجاب الجميع مع دخولها حيز التنفيذ. ومسألة دخول المساجد كلاعب رئيس في مجال الابتكار قد يكون أحد الأفكار التي تدهشك في بداية الأمر، ثم ما تلبث أن تدرك أن الأهداف المنشودة كتقليل كلفة التشغيل وتحسين الأداء تستحق فعلا هذا الجهد.

 اليوم نعيش متغيرات متسارعة بشكل مستمر، وإذا لم نضع نصب أعيننا أن نكون ضمن الأفضل دائما، فسنصطدم لا محالة بواقع يفرض نفسه بمعطيات جديدة، لا يمكننا أن نتعامل معها. 

 لم يتوقف الأمر بالنسبة للقائمين على المسجد على الابتكار فحسب، بل باتوا يطمحون للوصول لما هو أبعد من ذلك بتوسيع دائرة العمل حتى يصبح الحي الذي يقع به نموذجيا تتوفر فيه جميع الخدمات المطلوبة. وحتى إن اختلفت في تنوعها، فالاحتياجات الإنسانية تبقى متشابه في مجملها. و في رأيي أن العمل كنقطة وصل تسهم في تحقيق التناغم المنشود بين شتى الجهات لخلق بيئة محيطة مناسبة لسكان الحي هو جهد يسير بلا شك في سبيل تحقيق جودة الحياة. 

ما يمكن أن يدهشك هو أن تعلم بأن محيط المسجد يضم مركزا للتموينات وصيدلية ومركز صرافة يعود ريعها بالكامل لتشغيل المسجد بحيث يتم الاستغناء مع الوقت عن أي معونات خارجية، في ذات الوقت الذي يستفيد منه سكان الحي أنفسهم من تشغيل هذه المتاجر. حتى ذوي الاحتياجات الخاصة لم يتم إغفال احتياجاتهم. فبمجرد دخول وقت الآذان ستلاحظ أن الأسوار تحولت للون الأخضر، وهو ما يسمح لفئة عزيزة على نفوسنا جميعا وهي فئة الصم بالتعرف على موعد دخول الآذان. 

الفكرة ليست معجزة، وإنما هي ببساطةاستغلال أمثل للموارد في سعي لتقليل الهدر. فتوفير الطاقة يبدأ من البرمجة الذاتية لأجهزة التبريد مع التركيز على  التوزيع الأمثل وانسيابية مرور الهواء بأفضل المعايير الهندسية، مما نتج عنه تخفيض نسب الفواتير إلى ما يقارب النصف. 

حتى المرافق الاجتماعية التي توفر لسكان الحي ممارسة العديد من الأنشطة متاحة أيضا. وكل ما عليك القيام به لو كنت أحد سكان الحي هو التسبيق مع القائمين على المسجد لحجز أحد القاعات ليقوموا بتوفير بطاقة دخول مبرمجة بوقت محدد، فلا يتم السماح لسواك باستخدام المرفق في ذات الوقت. 

حاليا يطمح القائمون على المسجد للانتقال إلى مستوى أعلى من الأداء النموذجي من خلال خطة تعاون مع أحد التطبيقات وهو تطبيق – فزعة جار- الذي يتيح الفرصة لقاطني الحي لتوظيف التقنية في تعزيز التواصل البناء. 

التكامل مطلب جوهري، وهو يتحقق بمعرفة إمكانات جميع من في الحي ، وما ييمكن أن يقدمه كل فرد لتوفير الهدر، حتى يتم الوصول للشخص الصحيح بأسرع وقت. حتى مسألة التعرف على المواهب وتنميتها يمكن أن يستفاد منها مستقبلا. والحقيقة هي أن هذا المزيج الذي بدأ يتشكل مؤخرا ليحقق بعداً جديداً من الإحسان في العمل يبشر بالخير ويدفعنا لمزيد من التفاؤل بأن القادم سيكون أكثر سحراً لا محالة.